ولان قضية تفضيل خيار الحوار علي الحرب ربما يستتبعه تساؤل حاسم وجوهري عن إمكانية التعايش مع إيران النووية يتوقف المرء أمام ما أورده احد كبار المنظرين للسياسات الأمريكية المعاصرة وعراب العولمة كما يطلق عليه واقصد به الكاتب الأمريكي توماس فريدمان وحديثه عبر النيوزويك في هذا الشأن إذ يلقي بدوره تساؤل يقول فيه " إذا ما كان الخياران التاليان هما الوحيدان المتاحان أمامنا فعلي ايهما يقع الاختيار ؟ هل نفضل التعايش مع إيران النووية أم شن هجوم علي المواقع النووية الإيرانية يتم تنفيذه وتسويقه للعالم بواسطة فريق الأمن القومي لبوش ؟ ويجيب قائلا " لو خيرت بين هذين الخيارين فسأختار التعايش مع إيران النووية أما السبب عند توماس فريدمان والذي يجعله يقبل بهذا الخيار الثقيل جدا علي كاتب أمريكي له صبغة دينية خاصة " يهودي " تربطه بدولة إسرائيل التي لا تنفك تحرض الإدارة الأمريكية علي ضرب إيران عسكريا فيتجلي في قوله " علي الرغم من أنني اعرف أن الشئ السليم في هذه الحالة هو إبقاء جميع الخيارات مفتوحة فانه لا توجد لدي ذرة واحدة من الثقة في قدرة الإدارة الحالية علي إدارة ضربة عسكرية معقدة ضد إيران ناهيك عن التعامل مع التداعيات العسكرية والدبلوماسية التي ستلي مثل هذا الهجوم ويكمل بقوله " باعتباري مقتنعا ولا أزال بأهمية وضع العراق علي المسار الصحيح فان مستوي عدم الكفاءة الذي أظهره فريق بوش في العراق ورفضه الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها أو إقالة الأشخاص الذين ارتكبوها يجعل من المستحيل بالنسبة لي أن أقوم بتأييد هذه الإدارة في القيام بأي عمل عسكري هجومي ضد إيران ويري فريدمان أن مسئولي الأمن القومي التابعين لبوش ليسوا سوي سائقين مخمورين وكل ما يجب فعله معهم هو سحب رخص قيادة السياسة الخارجية الأمريكية منهم للثلاث سنوات القادمة أي ما تبقي من عمر إدارة بوش . ويخلص فريدمان إلي انه إذا كان الخيار بين عملية عسكرية أخري ضد إيران مشابهة لما جري في العراق وبين أن تصبح إيران دولة نووية علي أن نقوم نحن بردعها من خلال وسائل تقليدية فإنني سأختار الردع وكل المطلوب في هذه الحالة هو توجيه مذكرة دبلوماسية موجزة لملالي إيران نقول لهم فيها : أيها السادة المحترمون إذا ما قمتم في أي وقت باستخدام معدات نووية أو ما إذا قمتم بإعطاء واحدة منها للإرهابيين فإننا سنقوم بتدمير كل موقع من مواقعكم النووية باستخدام أسلحتنا النووية التكتيكية وإذا كان أي جزء من هذه الجملة غير مفهوم لديكم فانه يرجي الاتصال بنا .. شكرا ". غير انه مابين الخيارين أي خيار التسليم بحق إيران في امتلاك سلاح نووي أو توجيه ضربة عسكرية لها تبقي هناك خيارات أخري تمثل أوراق الضغوط التي يمكن اللجوء إليها كحزمة من العصي والعقوبات والتي تعمل علي أن تتنازل طهران مسبقا فماذا عن هذا الخيار الثالث ؟ مقاربات وتنازلات جهة إيران من بين الأصوات التي تقول بالطريق الثالث وكيفية جعل طهران تتنازل أولا يأتي حديث البروفيسور سكوت دي سيغان " أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد والذي يري أن الوقت قد حان لدبلوماسية أكثر جرأة من جانب واشنطن وانه علي الرئيس بوش أن ينتزع صفحة من كتاب ألعاب رونالد ريجان الذي تفاوض مع نظام سوفيتي شرير ، فقد كان منافسا في سوق الأفكار ولكنه تعاطي مع دواعي قلقه الأمنية عبر اتفاقات ضبط الأسلحة ؟ غير انه قبل التطرق إلي رؤية البروفيسور" سكوت دي سيغان" يجد المرء نفسه أمام تساؤل أهم وهو لماذا تريد إيران التحول إلي قوة نووية من الأصل ؟ الإجابة عند علي لاريجاني أمين عام مجلس الأمن القومي الأعلي في إيران والمفاوض الرئيسي حول الموضوع النووي والذي يدير عملية التفاوض الطويلة مع الغرب كما لو كانت لعبة شطرنج دبلوماسية علي حد تعبيره والذي لديه الكثير من الأجوبة علي هذا السؤال الملح . يقول لاريجاني : هناك أسباب عديدة تحمل إيران علي السعي إلي التحول إلي قوة نووية فتاريخ نشاطنا النووي يعود إلي 45 عاما مضت أي إلي أيام نظام الشاه لكن عددا من الدول الغربية اتخذت موقفا سلبيا من إيران بعد الثورة الإسلامية وألغت اتفاقياتها النووية معنا ويدلل علي كلامه بالقول كان الأمريكيون قد ابرموا معنا اتفاقا لإقامة مفاعل للأبحاث في طهران ولتزويدنا بالوقود النووي لكنهم الغوا تلك الاتفاقية ولم يعيدوا لنا أموالنا التي دفعناها لهم وقد فعل الألمان الشئ نفسه وهكذا استخلصنا الدرس التالي علينا أن نعتمد علي أنفسنا وان نقوم بتوفير الوقود بجهودنا الخاصة ويكمل لاريجاني بالقول " نحن لا نري سببا يدفعنا إلي إيقاف البحث العلمي في بلدنا نفهم جيدا مدي حساسية هذا الموضوع لكن الدول الغربية تعتمد تصنيفات خاصة بها فلديها دول لا مانع من حصولها علي التكنولوجيا النووية العالية ودول أخري تنصح بالتركيز علي إنتاج عصير الفواكة والأجاص وينحي لاريجاني باللوم علي الدوافع المتعارضة وراء المواقف الأمريكية فيقول " بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 واجه الأمريكيون مشكلة في أفغانستان وطلبوا المساعدة من إيران وقدمناها لهم لكنهم بعد ذلك دعونا بمحور الشر وهذا التناقض سمة دائمة في مواقفهم أنهم يريدون تقبيل خد وصفع الخد الأخر . والحقيقة أن ما لم يقله لاريجاني هو أن تجربة كلا من العراق وكوريا دفعتا إيران للتعجيل في سعيها لامتلاك القوة النووية فالولاياتالمتحدة لم تقدم علي غزو العراق إلا بعد تأكدها من عدم امتلاكه لأسلحة دمار شامل تهدد كيانها وقواتها الغازية فيما امتلاك أو شبهة امتلاك كوريا الشمالية لسلاح نووي أمر جعل واشنطن تحجم حتي الساعة عن الاقتراب من كوريا الشمالية بسبب ما لديها من قوة تدمير وكان علي نظام الملالي أن يختار بين مصير صدام حسين المؤسف وحال نظام كيم يونغ ايل المتحدي والمتصدي للجبروت الأمريكي وعليه كان الخيار الثاني هو الاصوب في الاختيار . وهذا يعود بنا إلي نصائح البروفيسور سيغان والذي يري أن أفضل طريق لمنع إيران من التحول إلي دولة نووية يتمثل في قيام واشنطن بتقديم الضمانات الأمنية التي من شانها أن تخفض من التأييد لطهران لبناء ترسانة نووية ورغم انه من الصعب إضفاء واقعية علي تلك الضمانات أو صبغها بصبغة المصداقية إلا أن تعهدا أمريكيا علنيا بإزاحة خيار تغيير النظام بالقوة والتزام من مجلس الأمن الدولي بحماية السيادة السياسية لإيران يمكن أن يساعدا في هذا الإطار وكذلك فان أشراك مجلس الأمن الدولي يمكن أن يجتذب روسيا والصين ثانية إلي تحالف منع الانتشار النووي وتعزيز الشرعية الدولية . ويؤكد البروفيسور سيغان في خياره المذكور علي انه لم يتبق هنالك الكثير من الوقت وهو ما يعني انه يجب أن تبدأ المفاوضات رغم موقف إيران المبدئي الذي يؤسف له . ويقال أن رد طهران يشير إلي رغبة في التفاوض علي جميع جوانب برنامجها النووي وهو ما يعني أن التوصل إلي اتفاقا بحيث تحصر إيران نفسها في الحصول علي برنامج تخصيب يورانيوم متدني المستوي يمكن أن يكون ممكنا حتي الآن وهذا سينجح فقط إذا ما قبلت طهران عمليات التفتيش الكاملة للوكالة الدولية للطاقة الذري وفرض تجميد بناء جميع أجهزة الطرد المركزي . غير أن التساؤل هل ستقوم إيران بذلك؟ الشئ الوحيد الذي يمكن أن يحمل طهران علي فعل ذلك والذي سيعوضها عن فقدان ماء الوجه هو تقديم ضمانات بان الولاياتالمتحدة لن تشن أي حرب وقائية أخري ضدها كما فعلت مع العراق لإزاحة النظام في طهران ويخلص الرجل للقول إذا ما حصلنا في مقابل ذلك علي إيران خالية من السلاح النووي فان ذلك سيكون صفقة جيدة للغرب أيضا وفي الحق انه إذا كان هذا شان التنازلات فماذا عن المقاربات اللازمة للتغيير في إيران؟ من طهران إلي بيونج يانج كانت تجربة كوريا الشمالية مؤخرا بمثابة صفعة علي وجه النظام الدولي عامة جهة الانتشار النووي وللولايات المتحدة خاصة التي تري في نظام بيونج يانج أحد أوجه دول محور الشر وعقب التجربة النووية الأخيرة لنظام ايل يونج تعالت الأصوات بالقول لقد فشلنا في إيقاف كوريا الشمالية فماذا عن طهران وكيف العمل علي منعها من السير في ذات الطريق ؟ عند الواشنطن بوست الأمريكية أن العقوبات الوحيدة التي يمكن أن تحقق نتيجة مع نظام الملالي في إيران هي فرض حظر علي تصدير النفط الإيراني للخارج وعلي واردتها من المواد النفطية المكررة التي تحتاجها للاستهلاك المحلي ولان هذا الحل يتطلب جهدا دوليا يصعب إدراكه بسبب تقاطع تلك المصالح مع دول كبري ومصالحها وفي مقدمتها روسيا والصين فان هناك أسلوبان يجب مقاربتهما لتحقيق تغيير النظام في إيران وهما الأسلوب الخشن والأسلوب الناعم . أما عن الأسلوب الناعم والحديث لماكس بوت يتم من خلال عرض صفقة كبيرة أمام إيران وهي انه إذا ما قامت إيران بإيقاف برنامجها النووي بطريقة يمكن التحقق منها وأوقفت دعمها للإرهاب فان الولاياتالمتحدة ستقوم برفع العقوبات المفروضة عليها وتعيد علاقاتها الدبلوماسية معها وتدعم مسالة انضمامها لمنظمة التجارة العالمية . أضف إلي ذلك قوله " إن قيامنا بفتح سفارة لنا في طهران وفتح المزيد من القنوات الاقتصادية والثقافية مع الإيرانيين سيمكننا من تغيير النظام بشكل أكثر فعالية مما يمكن أن نقوم به عبر محاولة عزل النظام . أما المقاربة الأكثر خشونة فهي العودة لفكرة تغيير النظام في إيران ومعروف أن الولاياتالمتحدة قد اتخذت قرارا بزيادة الأموال المخصصة لدعم الديمقراطية في إيران من 3 ملايين دولار عام 2005 إلي 76 مليون دولار في السنة المالية المنصرمة .وعلي الرغم من استبعاد فكرة الغزو العسكري الشامل فان صناع الاستراتيجيات العسكرية في واشنطن يدركون أنهم قادرون علي إزعاج إيران من خلال عوامل عديدة كتعدد العرقيات التي تتكون منها إيران والمظالم التي تعانيها تلك العرقيات والتي تدفعها إلي المطالبة بالانفصال والاستفادة من جماعات المعارضة ومنظمات الطلاب ومنظمات حقوق المرآة وإعادة تنشيط منظمة مجاهدي خلق وإطلاق العنان لها عبر الحدود لخلق قلاقل لنظام طهران . ويبقي الاستنتاج النهائي عند صاحب هذه السطور وهو انه رغم الحديث عن بدائل ومقاربات وضغوطات فان هناك رؤية غربية واحدة أوربية أمريكية لا تخلو من مسحة دوجماطيقية دينية ترفض أن تكون الأرثوذكسية السياسية عقبة في طريق الحيلولة دون تحول نظام مارق أخر حسب روية البيت الأبيض لنظام نووي جديد مهما كلف هذا الأمر وعند هؤلاء أن أي خسائر آنية مهما عظم شانها اقل تأثيرا وشأنا من الخسائر التي يمكن أن تلحق بالكون علي المدي البعيد حال امتلاك إيران سلاحا نوويا.