إذ انهينا مقالنا السابق في 26 اغسطس 2006.. بالدعوة لضرورة تكثيف الدول العربية والاسلامية مجتمعة سواء علي مستوي المنظمات والمؤسسات الرسمية ومراكز ومنتديات المجتمع المدني من حركتها في اوساط شعوب وابناء الدول الاجنبية خاصة ذات التأثير في مجلس الامن لمخاطبة الرأي العام الخارجي مباشرة بأبعاد الحق العربي ووسطية الدين الاسلامي وبعده عن التطرف والتعصب والفرق بين الارهاب والمقاومة الشرعية.. وكشف وتعرية الدور العدواني الاسرائيلي خاصة في احداث لبنان وفلسطين مؤخرا وحاليا.. خاصة.. بعد ان تكشف ابعاد المخطط الاسرائيلي تجاه لبنان.. ومدي مواقف الولاياتالمتحدةالامريكية ودول اخري منه بعد ان اطلت بذور الفتنة الكبري من جحورها واصبح الحذر منها واجبا.. والتصدي لها مسئولية قومية وضميرية! وفي هذا الاطار.. والدعوة الملحة والمسئولة.. ثمة تساؤل يأتي في سياق الموضوع.. وجهه الي نعوم تشومسكي أحد محاوريه.. وقد تحدثنا عن الاول في مقال سابق باعتباره كاتبا عالميا معروفا بنظرته للسلام والديمقراطية.. ويحمل الجنسية الامريكية ويهودي الديانة واستاذا للغويات بالمعاهد والجامعات الامريكية.. يقول التساؤل والذي وجه لتشومسكي بعد احداث العاشر من سبتمبر عام 2001 علي مركز التجارة العالمي ومبني البنتاجون بأمريكا: هل يمكن ان نتحدث حاليا "بمناسبة الحدث" عن وجود صراع بين حضارتين؟ فكان الرد.. لتشومسكي.. ان هذا الحديث رائج هذه الايام شأنه شأن "الموضة" غير ان به قليلاً من المعني!! ففي اطار التاريخ المألوف نجد ان اكبر الدول الاسلامية من حيث السكان هي اندونيسيا.. وهي دولة ذات حظوة لدي الولاياتالمتحدةالامريكية منذ تولي سوهارتو السلطة عام 1965 حيث قضت المذابح التي كان يقودها الجيش علي مئات الآلاف من الناس.. واغلبهم من الفلاحين الذين لا يمتلكون اية اراض زراعية.. وكان ذلك بمساعدة الولاياتالمتحدة.. وشعر الغرب بالانتشاء بشكل يسبب قدرا هائلا من الحرج حين نفكر فيه بأثر رجعي!! وكانت الولاياتالمتحدةالامريكية حينذاك تطلق علي سوهارتو إبان حكم الرئيس السابق كلينتون "أنه نوع من الرجال الذي نفضله".. ويضيف نعوم تشومسكي انه في الثمانينيات في القرن العشرين.. قامت الولاياتالمتحدةالامريكية ومعها المخابرات الباكستانية بمساعدة من السعودية وبريطانيا وغيرهما بتعبئة وتسليح وتدريب كل ما استطاعت العثور عليه من الاصوليين الاسلاميين.. واشدهم تطرفا خصوصا.. لإنزال اقصي قدر من الضرر بالسوفييت بأفغانستان.. "فحطمت نظاما معتدلا واوجدت نظاما متعصبا من جماعات قولها الامريكان بطيش" كما كتب سيمون جنيكينز في التايمز حينذاك.. بل من المحتمل ان معظم التمويل استفاد منه اسامة بن لادن! كما يضيف تشومسكي انه في الثمانينيات في القرن العشرين ايضا اعطت امريكا وانجلترا دعما قويا لصديقهما وحليفهما صدام حسين!!.. وإن كان اكثر علمانية الا انه كان علي الجانب "الاسلامي" من الصراع طول الفترة التي ارتكب فيها فظائعه. كما اختارت الولاياتالمتحدة مسلمي "البوسنة" لكي يكونوا "عملاءها" في البلقان دون ان يكون ذلك لصالحهم. ثم يتساءل نعوم تشومسكي نفسه.. مع محاوره "لذلك دون الاستطراد.. نسأل اين بالضبط يوجد الخط الفاصل بين الحضارات؟ هل علينا ان نستنتج ان هناك "صراع حضارات" تقف بين الكنيسة الكاثوليكية في امريكا اللاتينية من جانب.. والولاياتالمتحدةالامريكية والعالم الاسلامي.. بما فيه من اشد العناصر اجراما وتعصبا في الجانب الآخر؟!" ويعلق.. بالطبع انا لا اوحي بمثل هذا الكلام العبثي.. ولكن ماذا يمكن لنا ان نستنتج من الاسس العقلانية؟! ويقول تشومسكي مؤخرا في كتابه الصادر عن مكتبة الشروق الدولية "لا يوجد عالم متحضر يمكن ان يغرق العالم في أتون حرب كبري بدلا من اتباع الوسائل التي يصفها القانون الدولي واتباع الكثير من السوابق". واذا كانت السطور السابقة.. استدعت ذاكرة المتابعين للاحداث لتؤكد عدة خطوط رئيسية.. وحقائق سطرها التاريخ حتي ولو كانت في امة احدي سماتها النسيان.. يأتي في مقدمتها: 1 أنه علي الرغم من السنوات الطوال من الصراع العربي الاسرائيلي.. والذي لم يخل من مراحل متعددة من الصراعات العربية العربية.. ثم مالحقها من اقتراب ملحوظ من الدول العربية نحو الاحادية الامريكية التي تتزعم العالم حاليا خاصة بعد تفتت الاتحاد السوفيتي.. والتي يوازيها اقترابا من خط مسيرة السلام مع اسرائيل.. الا ان العدوان الاسرائيلي الاخير علي لبنان وآثاره.. سيكون خصما من مسيرة السلام كما كان يتوقعها الشارع العربي.. 2 ان الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفاءها لا يجهلون بكل تأكيد "وسطية وسماحة الاسلام" الي الحد الذي كانوا يهتمون بفرز المتطرفين والمتعصبون" من داخل بوتقة الاسلام.. وبدعم من دول اسلامية صديقة لهم.. لاسقاط حكم "كارمل" الشيوعي من افغانستان.. فكيف لا يعملون ان السلام كدين هو دين الوسطية والسماحة؟! وابناءه كحملة مشاعلة وعقائده.. ليس لهم في الارهاب والعنف.. اما من افرزوهم ودربوهم لتحقيق اهدافهم.. هم اسباب الوبال عليهم بل وعلي بلادنا ووطننا وعقيدتنا وامننا!! 3 ان عدم عودة الحقوق العادلة المشروعة التي اجمع عليها المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته واصدر بها قراراته وفرماناته.. وتراجع دور الاجماع العربي وآلياته لحماية تلك الحقوق الا من تحركات في دهاليز الدبلوماسية والضغوط الدولية التي تتراجع بالتالي ام العدوان والعنف الاسرائيلي والاعتراض علي تنفيذ القرارات الدولية.. لابد ان يتولد معه حركات ومنظمات وبؤر للمقاومة يؤيدها القانون الدولي لتحريك القضية والا اصبح استسلاما للامر الواقع.. وللدفاع عن النفس لرد العدوان الذي نال حتي من المدنيين وانتحرت معه حقوق الانسان وحقه في الحياة الآمنة المستقرة! ومع ذلك.. فلابد دون يأس او قنوط ان نعاود دعوة الدول العربية والاسلامية مجتمعة لمخاطبة شعوب وابناء الدول الاجنبية خاصة ذات التأثير في مجلس الامن الدولي.. بل والنزول ايضا الي عقر دار الولاياتالمتحدةالامريكية والمملكة المتحدة بل ولاسرائيل.. لمخاطبة الرأي العام داخل بلدانهم بأبعاد الحق العربي ووسطية الدين الاسلامي.. وبعده عن التصرف والتعصب.. وكذا الفرق بين الارهاب والمقاومة المشروعة.. ولعل مبادرة الدار المصرية اللبنانية مؤخرا.. بنشر مؤلف هام للاستاذ الدكتور عبد الصبور مرزوق الامين العام للمجلس الاعلي للشئون الاسلامية وقد عرفته من سنوات طوال يبارز التطرف والتعصب ويواجهه بشجاعة.. "الحجة بالحجة والقرينة بالقرينة" وكم من شاب او فتاة اهتديا ببرهانه وحواره.. ويحمل اسم الكتاب "رسائل الي عقل الغرب.. وضميره عالمية الاسلام وانسانيته" ويشمل ويتضمن ثلاث رسائل هامة للموجهين لهم خاصة من مواطني امريكا واوروبا عن مبادئ الاسلام "حقوق الانسان حقوق المرأة الاسلام دين رحمة وحضارة لا دين ارهاب" نتناول اولها كالآتي: الرسالة الاولي: أ حقوق الانسان: 1 حق الانسان في الحياة ومنع اي عدوان عليها.. يعتبر الاسلام ان قاتل الانسان من غير قصاص منه كأنما قتل الناس جميعا وارتكب فسادا في الارض. 2 حق الانسان في الحرية فهي المقوم البشري الذي تتعلق به وتقوم عليه كل القيم. ب حق الانسان في المساواة 1 اساس المساواة في منظور الاسلام هو المساواة في النشأة واصل الخلقة.. والمصير في النهاية واحد.. وتطبيق هذا المبدأ عمليا بكل دقة. ولا تعني المساواة.. عدم التفاضل لمعايير طبيعية "الاعمي والبصير" او العلم او التقوي. 2 في سؤال حول ما اذا كان التفاضل في الرزق ينقص المساواة.. كان الرد بأن التفاضل بين الناس في الارزاق سنة من سنن الله في الكون اقتضتها حكمته لتوازن سلم الحياة الاجتماعية درجة فوق درجة تستقيم به امور الناس بين رعاة ورعية وبين حكام ومحكومين.. ثم بين من يأمر وبين من يطيع.. وهكذا لتستقيم احوال الناس والحياة.. إذا فالتفاوت "الاجتماعي" لا يصنع تفاوتا في المنازل عند الله. ومن جهة اخري فحق المساواة لا يتنافي مع الابداع او التمييز فقد قال سبحانه وتعالي "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" من خلال الاعمال الصالحة طبعا. ج حق الانسان الفرد في المحاكمة العادلة: 1 ففي المنظور الاسلامي الانسان برئ حتي تثبت ادانته بدليل شرعي صحيح.. فالانسان لا يرث خطيئة آدم ولا يحاسب علي الذنب الا الذي ارتكبه وتثبت ادانته عليه امام قضاء عادل. ومن هنا فالاسلام يشترط شرطين: أ اما اعتراف المتهم بصحة ما اتهم به دون اكراه او تعذيب. ب اما وجود بينة تشهد بارتكاب المتهم للذنب "اي اربعة شهود عدول". ومن جانب آخر يعفي الاسلام الانسان في حالات "الخطأ او النسيان وحالة الاكراه". كما ان من حق الانسان حماية عرضه وسمعته وكذا التدبير فيما ينفع. د علاقة الاسلام بالثروة والمال: قبل ان تعرف المذاهب الاقتصادية المعاصرة.. فالاسلام يؤمن بأن المال الله".. والمسلمون وغير المسلمين لهم في هذا المال حق معلوم بما يكفل لهم حد الكفاية ورفض الظلم والدفاع عن المستضعفين في الارض. ه حقوق غير المسلمين: يقرر الاسلام لغير المسلمين حق المعاملة بالمثل فلهم السلام والامان.. فالانسان في الاسلام يشمل المسلم وغير المسلم.. الا انه في حالة معاداة غير المسلم.. للمسلم او مساعدة عدوه عليه.. فالمعاملة بالمثل. ويؤكد الاسلام علي حق غير المسلم في كل الحقوق الاخري للمسلم من تعليم وصحة وبيت واسرة وحرية العقيدة والمشاركة في الحياة العامة والسياسية والاجتماعية.. الخ. وبذلك فإن ما جاءت به المنظمات الدولية.. وكذا الاعلان العالمي لحقوق الانسان بأن لكل انسان حرية التعبير والرأي.. لا تخرج عما جاء به الاسلام من مبادئ وقواعد واسس. واخيرا وللحديث بقية في مقال آخر.