مع تصاعد شدة الحرب في العراق يجد الجمهور الأمريكي مشقة كبيرة في تصديق أي من طرفي الخطاب الأمريكي، المناوئ للحرب والمؤيد لها، علي حد سواء. ووسط انقسام بين تشاؤم من مصير السلام وآفاقه في العراق، وخوف من الانسحاب من حرب حصدت أرواح الكثيرين سلفاً، يجد المواطن الأمريكي نفسه أمام اضطراب وقلق كبيرين إزاء مستقبل تورط بلاده في العراق. ومهما يكن فإن الجمهور الأمريكي يبدو أكثر ميلاً لرفض أية تأكيدات لما يجب أن تسير عليه الأمور في العراق، مع العلم بأنها تأكيدات صادرة من كلا الحزبين تأييداً ومعارضة للحرب. وبالنسبة لغالبية المواطنين العاديين، فإن مصير الحرب الجارية الآن أصبح يقع بكامله في دائرة الشك واللون الرمادي الغائم. وعلي حد قول "كارلين باومان" خبيرة استطلاعات الرأي بمعهد "أمريكان إنتربرايز" فإن الشعب الأمريكي لم يعد يثق بأن للرئيس بوش خطة عمل واضحة في العراق. وينطبق الحكم نفسه علي خصومه الديمقراطيين، الذين لم يبلوروا خطتهم بعد. جاء ذلك في إحدي آخر دراسات استطلاع الرأي التي قامت بها. يذكر أن الرئيس بوش قد دافع ببسالة في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم الاثنين الماضي، عن سياسته إزاء العراق وعن سير الحرب هناك. ووصف بوش عدم إكمال تلك المهمة ومغادرة جنوده قبل ذلك بأنه "كارثة" محققة. فإن الذي يمكن استخلاصه هو أن الشعب الأمريكي لا يحمل وجهة نظر إيجابية مطلقاً إزاء تورط بلاده هناك. وقد أكد هذه الحقيقة استطلاع للرأي العام أجرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية خلال شهر أغسطس الجاري، أعربت فيه نسبة 60 في المائة من الأمريكيين عن معارضتها للحرب، في حين أكدت نسبة 36 في المائة فحسب عن تأييدها لها. إلي ذلك توصل استطلاع عام آخر للرأي الأمريكي أجرته مؤسسة "جالوب" العالمية في شهر يوليو المنصرم، ونشرت نتائجه مؤخراً، إلي أن من رأي نسبة 54 في المائة ممن شملهم الاستطلاع، أن الحرب علي العراق كانت خطأ. وفي سياق المقارنات التاريخية، فإن ثمة أوجه شبه ما بين سلوك الناخبين الأمريكيين إزاء شن بلادهم حربها علي العراق اليوم، وذلك التدخل الأمريكي في شئون البلقان في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وفقاً لرأي الآنسة باومان من "أمريكان إنتربرايز". وفي كلتا الحالتين، لم يبلغ حجم التأييد الشعبي الأمريكي لأيهما مبلغ ذلك الذي حظيت به حرب الخليج الأولي في عهد الرئيس بوش الأب في عقد التسعينيات. والشاهد أن تصاعد موجة العنف الطائفي خلال الأسابيع القليلة الماضية، قد زاد المزاج السياسي الأمريكي تعكراً وهياجاً. وربما لا يزال السجال السياسي مستمراً في دوائر واشنطن الرسمية حول ما إذا كان العراق قد بدأ يتجه فعلاً نحو حرب أهلية مفتوحة جراء هذا التصاعد في موجة العنف الطائفي. بيد أن آخر استطلاعات الرأي العام التي أجريت أكدت اعتقاد نسبة كبيرة من عامة الأمريكيين بأن الحرب الأهلية قد اندلعت سلفاً هناك. ذلك هو ما أكده استطلاع أجرته مؤسسة "بيو" مؤخراً، ذكرت فيه نسبة 63 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن أمريكا قد فقدت أية أرض لها للثبات في مساعيها الرامية إلي الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية في العراق. وفي هذه النسبة الأخيرة سر ما يشير إلي ارتفاع حاد في مشاعر التشاؤم التي سادت أوساط الرأي العام الأمريكي بالمقارنة إلي نسبة 50 في المائة ممن كانوا يحملون الرأي المتشائم نفسه في شهر يونيو الماضي. وفيها كذلك ما يشير إلي انحسار التفاؤل الذي ارتفعت معدلاته بدرجة كبيرة في أوساط الرأي العام الأمريكي إثر مقتل أبومصعب الزرقاوي قائد تنظيم "القاعدة" في العراق. ذلك هو ما أكدته نتائج الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "بيو"، الذي صدر الأسبوع الماضي. وبوجه عام فإن غالبية من الأمريكيين ترغب الآن ولو في انسحاب جزئي للقوات الأمريكية من العراق. وبحسب استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة "سي إن إن" خلال أغسطس الجاري، فإن نسبة 61 في المائة ترغب في سحب بعض القوات، في حين أعربت نسبة 34 في المائة في استمرار بقاء القوات حيث هي. محرر الشئون الخارجية بصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن "كريستيان ساينس مونيتور"