من أهم القيم السائدة في المجتمعات المتقدمة و كذلك في المجتمعات التي ترغب في التقدم هي ممارسة قيمة النقد الذاتي كأحد أهم القيم المؤسسة للتقدم _ لذلك أسمح لي عزيزي القاريء أن نمارس معاً هذه الثقافة عند تناولنا للحرب اللبنانية الأخيرة بين اسرائيل و حزب الله (حزب حسن نصر الله) _ و سوف أستخدم التسميه الثانية بدلاً من الأولي حتي لا أستخدام تعبير شعب الله عند الأشارة الي اسرائيل. و الشيء بالشيء يذكر ما هي علاقة الله بالحرب الدائرة بين حزب حسن نصر الله وإسرائيل ؟- أن الله عند طرفي القتال هو المحرك الرئيسي لهذه الحرب. ولكن كيف يكون الله وراء كل هذه الأعمال التي تتنافي مع المباديء الإنسانية ؟ الإجابة بكل تأكيد هي أن الأطراف المتحاربة تتمسك بأنها تمثل الله وتحارب من أجل نصرته ، إذ أن كلا من إسرائيل وجماعة حزب حسن نصر الله تقولان أنهما يرتبطان بالله بصورة أو بأخري. إسرائيل تقول بأن شعبها هو شعب الله المختار _ و علي الجانب الأخر أتخذت جماعة حزب حسن نصر الله من اللفظ إسماً لها رغبة منها في إضفاء القداسة والورع علي قادة و أفراد و أفعال الجماعة . كلاهما يظنان أنهما وكلاء عن الله في الأرض!!!!!! علينا عند ممارسة النقد الذاتي أن نخرج من الدائرة المستهدفة حتي تصبح الرؤية أكثر وضوحاً و شفافيه _ و نبدأ بتحديد موقف الأطراف الرئيسية قبل 2006/7/12علي الجانب اللبناني كان هناك حوار دائر بين القوي السياسية المختلفة (الحوار الوطني) بشأن نقاط كثيرة مثل كيفية التعامل مع القرار 1559 _ الشأن الرئاسي _ دور المقاومة في المرحلة القادمة _ مصير أسلحة و قوات حزب حسن نصر الله _ الموقف من مزارع شبعا _ رسم الحدود مع سوريا _ العلاقة مع سوريا الدولة و الشعب بعد أنسحاب القوات السورية من لبنان- لجنة التحقيق الدولية في مقتل الحريري _ أسري حزب حسن نصر الله و المقاومة اللبنانية لدي اسرائيل. و علي الجانب السوري ضغط شديد علي النظام الحاكم سواء من قبل دول ( أمريكا و فرنسا ) أو من قبل مؤسسات دولية (مجلس الأمن و الأتحاد الأوروبي) من أجل التعاون مع لجنة التحقيق الدولية _ وقف السماح للمنظمات الفلسطينية المسلحة بالعمل من علي الأرض السورية _ غلق قناة الأتصال بين ايران و حزب حسن نصر الله في لبنان . أما علي الجانب الأيراني فكان هناك ضغوط شديد من أجل وقف مشروعها النووي _ و تحجيم تطلعاتها الأقليمية _ و تحجيم دعمها لحزب حسن نصر الله _ و علي الجانب الأسرائيلي كانت مشكلة أختطاف حماس لجندي من جنودها في غزة و التعامل العسكري المفرط من أجل استعادته. علي ضوء هذه الرؤية هل كان هناك مبرر لحزب حسن نصر الله لتصعيد بند الأسري ليأخذ أولية أولي _ و بمعني أخر هل كان من مصلحة لبنان و أكرر لبنان .... تصعيد بند الأسري فهذا التوقيت _ أم أنه كان لمصالح أخري؟ .... هل لجأت كل من ايران و سوريا و حزب حسن نصر الله لإستخدام هذا الكارت من أجل رفع الضغوط الشديدة الواقعة عليهم ؟ اعتقاداً منهم بأنه إذا دارت عجلة الحرب فسوف تلجأ إليهم أمريكا للسيطرة و ضبط حركة حزب حسن نصر الله _ أما حزب حسن نصر الله نفسه فأن الحرب فرصة لإطالة فترة صلاحية مشروعيته العسكرية. ما هو معيار النصر ؟ و هل يختلف من دولة لأخري؟ في حسابات اسرائيل النصر يعني القضاء علي القدرات العسكرية لحزب حسن نصر الله و إستعادة الأسيرين _ و في حسابات حزب حسن نصر الله أن يظل قادراً علي أطلاق صواريخه و أن تظل رأس الحزب باقيه ( و هي ثقافة عربية متوارثه ) _ لكن ماذا يقول الواقع ؟ 1140 قتيل لبناني أغلبهم من المدنيين و أكثر من 3000 مصاب _ هدم 15 ألف بناية سكنية _ نزوح أكثر من مليون مواطن _ هدم كباري و طرق و مؤسسات طاقة و كهرباء و تليفون _ رجوع قوات حزب حسن نصر الله الي شمال الليطاني- اما علي الجانب الأسرائيلي 108 قتيل أغلبهم من العسكريين _ و خسائر بالمليارت نتيجة تأثر الأقتصاد الإسرائيلي بالحرب. هل هناك ايجابيات لهذه الحرب ؟ نعم .... منها التأكيد للمرة الثانية( الأولي حرب 73) علي أن اسرائيل دولة يمكن أن تقهر عسكرياً _ زيادة في عدد النقاط السوداء في ثوب العسكرية الأسرائيلية نتيجة أرتفاع الخسائر المدنية في الجانب اللبناني _ مفاجأة حزب حسن نصر الله للجميع بما في ذلك اسرائيل و أمريكا بالعتاد العسكري الذي يمتلكه و كذلك بالكفاءة القتالية و نسب التصويب العالية- التأكيد علي عدم قدرة الجيوش النظامية علي حسم حربها مع الجماعات التي تستخدم أسلوب حرب العصابات. المقاومة المفهوم و الأساليب : و قد تناولت هذا العنوان في ثلاث مقالات سابقة و لكني سوف أستعين هذه المرة بطرح رياضي لمفهوم المقاومة قدمه الأستاذ الدكتور أميل شكر الله في مقالة بعنوان "فقه المقاومة في العقل العربي" و التي أراها من أهم المقالات التي كتبت في هذا المجال حيث أوضح سيادته أنه "من المعروف علمياً أن قوة المقاومة تظهر أولاً كقوة رد فعل Reaction) لفعل (Action) معين. ثم تختفي باختفاء الفعل نفسه ، فوجودها مرهون بوجوده- فإذا لم تختفي قوة المقاومة (رد الفعل) بمجرد تلاشي الفعل فإنها تكون ارتكبت خطأً فادحاً إذ أن استمرارها في العمل كرد فعل في غياب هذا الفعل يحولها هي نفسها إلي فعل وعندئذ ستظهر قوي أخري تقاومها. ثم يوضح الدكتور أميل شروط أنتصار أحدي القوتين ( الفعل و رد الفعل ) علي الأخري - " في الحقيقة إذا أردنا لقوة المقاومة مثلاً أن تنتصر علي قوة الاحتلال يجب أن يتحقق شرطان أساسيان: الشرط الأول هو أن تكون قوة المقاومة أكبر من ناحية الكم من مقدار قوة الاحتلال.الشرط الثاني هو أن يكون اتجاه المقاومة في عكس اتجاه قوة الاحتلال وعدم الانحراف عن هذا الاتجاه قيد أنملة تحت أي ظرف من الظروف فهذا الشرط فولاذي لا يقبل المساومة!!" فمن الطبيعي أنه إذا تساوت المقاومة كماً وكيفاً مع الاحتلال من الناحية العسكرية مثلاً تتحول المعركة إلي حالة اللاحرب واللاسلم. وإذا تناقصت انتصرت عليها قوة الاحتلال وسحقتها. إذن كيف نُزيد من مقدار قوة المقاومة؟ - الإجابة بسيطة وهو أن تكون قوة المقاومة هذه متعددة من حيث النوع. و ما نقصده بتعددية المقاومة هو وجوب أن تكون "المقاومة" قابلة للتكاثر النوعي ومستحدثة أشكالاً غير نمطية لنحصل في النهاية علي محصلة عدة مقاومات وليس مقاومة واحدة. و من ناحية أخري فعندما تنحرف المقاومة عن هدفها فهذا يعني تقاطع خط عمل المقاومة مع خط عمل الاحتلال وفي هذه الحالة يمكن تحليل قوة المقاومة إلي مركبتين في اتجاهين متعامدين الأولي في عكس اتجاه الاحتلال والثانية في الاتجاه العمودي عليه. بهذه الطريقة تضعف قوة المقاومة لأن مركبة قوة المقاومة العمودية تصبح معدومة التأثير علي قوة الاحتلال لأنها فقدت الاتجاه، أما المركبة الأخري فتصبح ضعيفة بسبب تناقصها في المقدار. وبالتالي تصبح قوة المقاومة عامل مساعد لقوة الاحتلال تزيدها في الكم والمقدار وتساعدها علي تحقيق أهدافها بدلاً من أن تكون قوة مضادة لها وتسمي المقاومة في هذه الحالة "مقاومة سلبية" لأنها بدلاً من أن تعيق قوة الاحتلال وتعمل علي نقصانها تساعدها في التعاظم الكمي وتقوي نفوذها".