صفحات التاريخ حبلي بعشرات الحكام الطغاة قصاة القلوب الذين يمكن وصفهم ب "وحوش بشرية" تسلطت بحكمها الجائر علي رقاب الشعوب فصادروا الحريات كما صادروا العقول فاغتالوا الحياة دون أن يخافوا وراءهم للشعوب المقهورة أي زاد سوي الجبن والألم. وتكشف صفحات التاريخ أن هؤلاء الحكام الطغاة لم يكن في وسعهم قهر الشعوب دون وجود هؤلاء السدنة من المنافقين والمرتزقة الذين يبررون لهؤلاء الطغاة مظاليمهم وجرائهم البشعة في حق الشعوب والتي يطلب منها فقط الطاعة والولاء لكل مظاهر هذا الجبروت والفساد وفي النهاية يفقد الشعب كل مقوماته لديمومة الحياة ويصير نهبا لكل تدخل خارجي ما لم يخرج الشعب عن صمته ويواجه الطغيان ولنا في روما أكبر مثال علي ذلك. فنيرون إمبراطور روما في أواسط القرن الميلادي نموذج لسادية الحكام حيث جعلته يري في نفسه إلها وفنانا يحلم بإعادة بناء روما وفقا لخياله المريض وليجعلها مدينة نيرون، ولم تهمه الوسيلة التي يحقق بها هدفه ولن يعنيه بمن يضحي فقام بحرق روما وألصق تهمة حرقها تهمة حرقها لطائفة من المسيحيين واستمر في مكيدته حتي عثر علي مجموعة مرتزقة ضعاف النفوس أقنعهم بأن يشهدوا زورا ضد هذه الطائفة المسيحية بأنها هي التي أحرقت روما بزعم أنهم يكرهون الجنس البشري وكان ذلك مسوغا للطاغية نيرون ليشبع نهمه من القسوة والوحشية بالتفنن في تعذيب هذه الطائفة فدفن بعضهم أحياء وصلب البعض التاني وترك البعض الثالث غنيمة للكلاب تنهش أجسادهم. حقق نيرون حلمه بإقامة روماالجديدة بقمع باهط من الإسراف وظلم العباد. ولكن هل يشعر الحكام الطغاة بالندم؟ هل يتألمون مثل البشر بسبب مآسي خاطئ أو يرفعون مظلمة عن العباد؟ وهل يمكن أن يتخلوا لحظة عن أنانيتهم وكبريائهم ليرجعوا عن قرار خاطئ أو يرفعوا مظلمة العباد؟ ربما نعثر علي بعض الإجابات عن هذه الأسئلة التي تدور في خلد الناس جميعا، مما سطرته أيضا صفحات التاريخ.. فها هو نيرون لم يعرف معني الندم علي جرائمه في حق شعب روما ومنعته ساديته من الاعتراف بخطأه ومحاولة الإصلاح وكل ما استطاع فعله عندما ثار الشعب ضده، هو الفرار كالفأر المذعور من انتقام الشعب فسارع إلي قتل نفسه. وقد عانت دولا كثيرة من ظلم حكامهم حتي في أكثر الدول تقدما وربما يمتد ظلمها لشعوب أخري بعيدة عنها.. أما المظالم في عالمنا العربي فتكون صغيرة بحجم انتماءنا لدول العالم الثالث فماضينا ومظالمنا تكون وفق حجمنا. أليس الله أنعم علينا نحن العرب بنعم كثيرة ومنها الأديان والروحانيات والارتباط بمنطق الحساب حيث الثواب والعقاب. في حين أن ابتعاد الغرب عن هذه القيم الدينية والروحية جعلهم يتمادون كثيرا في الظلم دون رقيب إنساني داخلي ودون إيمان بالرقيب السماوي وهذا ما يميزنا نحن العرب عن غيرنا من الشعوب. والحقيقة أن تاريخنا العربي لم يكن بمنأي عن المظالم وتكفي الإشارة إلي دموية الحجاج ابن يوسف الثقفي الذي يبدوا أنه قد رضع الدماء بدلا من الحليب. وكتاب الأغاني للأصفهاني الذي حكم علي رجلين بأن يدفنا في تبوتين في حفرة بيت في الحيرة فقط لأنهما ناقشاه في بعض القضايا وأغضباه بطريقة كلامهما!! ولكنه في الصباح التالي استيقظ ليسأل عنهما ويجاب بأن أمره كان مقضيا فشعر بندم شديد وأمر ببناء الغريين عليهما وكان يذهب يومين في العام يجلس عند الغريين وسمي أحد اليومين يوم نعيمه والآخر يوم بؤسه فأول من يري في يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل، وأول من يظهر له يوم بؤسه يأمر به فيذبح ويرش بدمه الغرياني.هكذا يندم الملوك والرؤساء حتي بندمهم ظلم.