الأجواء والأوراق معا امتلأت بكل ما يثير ويخطف الأبصار. أحد الحكماء اقترح وقفا لاطلاق النار من جانب واحد لمدة 72 ساعة، يتم خلالها تشكيل حكومة وطنية لادارة هذه الحرب في الشمال، وفي نفس الوقت ادارة المعركة السياسية علي الساحة الدولية. وذكي آخر اقترح أخذ جميع صواريخ حزب الله ووضعها في المخازن وختم أقفالها ب الشمع الأحمر الدولي. وهناك من أبدي شوقه وتحسره علي ارييل شارون وعلي تلك الانجازات الكبيرة التي كان سيحققها من مجرد وجوده وظهوره الشخصي الذي سيضغط علي مؤتمر الثمانية الكبار. وهناك من يظن بأن اقتراحاته لو سمعها الآخرون لأصبحت الأساس الذي يمكن العودة منه والخروج من هذا المستنقع اللبناني. من كل هذه المناورات الكلامية اللفظية التي لا تُقدم ولا تُؤخر، فان التحذير التالي هو واحد فقط يمكن أن يكون له أبعاد واقعية وممكنة التحقق. فحكومة مشكلة علي هذا النحو لن تقوم، بالطبع انها لن تقوم خلال 72 ساعة، يمكن لجنود نصر الله أن يطلقوا خلالها الكثير الكثير من صواريخ الكاتيوشا دون أي رد من جانب اسرائيل. صواريخ حزب الله ايضا لن يتم تخزينها في مواقع محصنة يحافظ عليها مندوبو العالم المتنور (واذا تمكن أحد يمتلك القوة من وضع يده عليها، فمن الأفضل له أن يدمرها في نفس المكان). رئيس الحكومة السابق، ارييل شارون، لن يستيقظ من غيبوبته سريعا، ولو حصلت في اسرائيل ومعها اشياء أكبر وأخطر من ذلك (وحتي اذا تمكن وفعل ذلك بمعجزة، فمن المشكوك فيه أن يقوم بأي عمل وينفذه بعد أن خرجت الامور من تحت يده في السابق). ولكن الخيال والصور الاخري التي تأتينا من لبنان يمكن أن نتوقع لها بأن وجود قوات برية اسرائيلية سيزيد الأمر صعوبة في حال دخولها الي هذه البلاد. باسم المستنقع و اللعنة و الشكل والوجه لهذه الدولة المجاورة في الشمال، فان المطلوب لها ليس أكثر من حكومة لا تتخلي عن حقها في العمل ومعالجة الاوضاع في الجنوب كما هي في الشمال. فباسم هذه العبارات التي لا نريد الاستعانة بها، بل ويجب التخلي عنها نهائيا وألا تكون أحد الخيارات التي تظهر أمام اسرائيل لضمان الهدوء علي حدودها وبالتالي ضمان الحدود والأمن ما وراء الحدود مثل حيفا وجنوبها وباقي هذه السلسلة، فمن الأفضل أن نكون صبورين ولا نتسرع في اتخاذ القرار. ولكي نُزيل أي شك ممكن، فاننا نتحدث عن خيار، وليس علي غرار الفوز المضمون. يمكن أن يكون دخول قوات مدرعة وقوات مشاة برية اسرائيلية الي جنوب لبنان، لن يجلب تدمير البنية التحتية لحزب الله في هذه المنطقة التي نتحدث عنها. يمكن أن يكون لمثل هذه العملية البرية امكانية في القضاء علي مخازن الصواريخ وأن توجه لها ضربة قوية تُفقدها الامكانية بالعمل ثانية عن طريق تكثيف الغارات الجوية وكذلك القصف البحري. يمكن أن يكون ثمن الدماء التي ستُسفك أكثر فأكثر: حيث أن عدد القوات المحاربة الاسرائيلية التي يمكن أن تُقتل، لا سمح الله، في المعارك التي ستدور في مثل هذه المنطقة الكبيرة أكبر بكثير من عدد المواطنين المدنيين الذين سيقتلون مرة ثانية، لا سمح الله في حالة اطلاق الصواريخ عليها من قبل العدو. ولكن جميع الاحتمالات السابقة يجب ان تكون مطروحة للبحث والتفكير. وفي الحالات والظروف الحالية التي نراها في المنطقة، وفي الوقت نفسه الذي نعيشه الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس والعِبر السابقة، يجب أن تُدرس بعناية وأن ننظر اليها باستمرار دون إغفالها أو نسيانها. لبنان يتميز بتاريخ غريب ومفكك وغير مترابط، فهو مليء بالكثير من الدماء والسقطات التاريخية. ولهذه البلاد تراكم كبير من الخلافات الطائفية والإثنية الديمغرافية التي كانت تبلغ مراتب عالية من العنف والتي تستدعي في كثير من الاحوال تعقلا اسرائيليا، كما كان ذلك لغيرها من الدول. ولاسرائيل تجربة سيئة جدا في حاجتها للامتناع عن الدخول في حرب مبادرة لهذه الدولة المجاورة، من السهل جدا البدء في حرب، التي ستكون مرحلة اولي لبداية حرب شاملة في المنطقة. وباختصار، هناك الكثير من الاسباب ما يجعلنا نتردد في الدخول الي مرحلة جديدة وسجل جديد من الحروب التي لسنا بحاجة اليها. والأفضل لنا اعادة الجيش الاسرائيلي وبسطه علي امتداد هذه الحدود في منطقة خالية من السكان سواء كانت لبنانية أم لا، والأفضل الأخذ بطبيعة الظروف التي يمثلها النموذج الاسكندنافي وتوفير الدماء. ولكن اذا كانت هناك حاجة الي استلال السلاح ضد جهات معادية مزعجة تعمل من داخل الحدود السيادية للدولة اللبنانية، فمن الأفضل أن نفعل ذلك بنجاعة عالية. وعند الضرورة وبعملية مستهدفة للقوات الارضية التي يمكن، وفي شروط محددة، أن تعمل وبوقت محدد، ولكن علي أن تكون مراقبة من المستوي السياسي. واذا لم يكن للحكومة وللجيش الاسرائيلي القدرة للوصول الي ذلك دون الغوص في المستنقع اللبناني فاننا نكون قد انغرسنا في هذا المستنقع بصورة حقيقية.