توقفت طويلاً أمام القبلة التى طبعها رئيس الوزراء اللبنانى فؤاد السنيورة على وجه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال زيارتها الخاطفة لبيروت يوم الاثنين الماضى لتفقد المقتلة التى ترتكبها إسرائيل بحق الشعب اللبنانى وعرض "الإملاءات" الإسرائيلية لوقف ابشع جرائم الحرب فى القرن الحادى والعشرين ضد الشعب اللبنانى. لم أفهم كيف سمح السنيورة لنفسه بارتكاب هذا الفعل السياسى الفاضح مع وزير خارجية الولاياتالمتحدة المسئول الأول عن جميع الجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعبين العربى واللبنانى لا لشىء إلا لأنه يأبى ان يركع أو يستسلم ويصر على الدفاع عن أرضه وعرضه بما توافر له من حجر أو صواريخ لاتصل قوتها التدميرية إلى واحد على المليون مما لدى الدولة العبرية التى تملك قدرة تدميرية تكفى لازالة جميع بلدان الشرق الاوسط من على خريطة العالم. ولم افهم كعربى يحترق حزنا على دماء الأطفال والأبرياء التى صارت أنهاراً فى لبنان وقبلها فلسطين بمباركة السيدة "كوندى" ورئيس زمن الحرب جورج بوش الذى يعتبر نفسه مبعوثا إلهيا لتهذيب وإصلاح الشرق الاوسط وإعادة تفصيله على مقاسه ومقاس حليفته المدللة إسرائيل المحمية دائماً بالفيتو فى مجلس الأمن وبالسلاح الأمريكى والقنابل الفوسفورية، للفتك برموز المقاومة اللبنانية وفى مقدمتهم الشيخ حسن نصر الله عقاباً له على طرده قوات الاحتلال الإسرائيلى من جنوب لبنان قبل 6 سنوات وعملية "الوعد الصادق" التى أوقعت 6 قتلى فى صفوف جنود الاحتلال واسيرين مما أثار جنون جنرالات إسرائيل ولاسيما أنها شكلت ثانى أكبر لطمة موجعة للجيش الذى ظن انه لايقهر خلال 20 يوماً بعد عملية الوهم المتبدد التى نفذتها الفصائل الفلسطينية. وقف الحرب ان الموقف الأمريكى المعارض لوقف المقتلة التى يتعرض لها لبنان تفضح النيات الأمريكية والإسرائيلية المبيتة ضد حزب الله وسوريا وإيران وحماس باعتبارهم قوى مناوئة لمشروع الشرق الأوسط الموسع الذى بشرت به ادارة بوش للتغطية على فشله فى العراق ولتبرير حربه العدوانية ضد بغداد بذريعة العثور على أسلحة الدمار الشامل وهو ما اعترف فيما بعد بأنها لم تكن موجودة أصلاً. وكما كانت الولاياتالمتحدة ليست بحاجة إلى ذريعة لتبرير غزو العراق كذلك حليفتها المدللة اسرائيل لم تكن فى حاجة إلى أسر الجنديين لتدمير لبنان على من فيها وما فيها. لأن ما أقدمت عليه من تدمير عبر الجو والبر والبحر ليس له علاقة باستعادة الجنديين الأسيرين إلا من باب التدليس والمغالطات المفضوحة.. فإسرائيل ومعها أمريكا وفرنسا كانوا يبيتون النية للتخلص من "صداع" حزب الله القوة الوحيدة التى حققت نصراً عسكرياً على إسرائيل منذ قيامها عام 1948 على حساب فلسطين التاريخية وأجبرها على الهروب من جنوب لبنان بعد 18 عاماً من الاحتلال دون شرط أو قيد. ولم يكن قرار مجلس الأمن رقم 1559 وطرد القوات السورية من لبنان سوى مقدمة للانقضاض على المقاومة اللبنانية وافتراسها بعدما صارت مصدراً للرعب الحقيقى على جيش الدفاع والدولة العبرية. القرار 1559 إن إسرائيل التي تتمسح فى تطبيق القرار 1559 للتخلص من حزب الله لم تكن فى يوم من الأيام حريصة على الشرعية الدولية وإلا فماذا عن مصير عشرات القرارات التى تنص على قيام دولة فلسطينية بدءاً من قرار التقسيم ومروراً بالقرار 242 وليس انتهاء بقرار محكمة لاهاى الدولية التى قضت بعدم شرعية جدار الفصل العنصرى. ولأننا فى زمن ارتدت فيه البشرية إلى شريعة الغاب فلم يعد هناك معنى للتعويل على الشرعية الدولية لاستعادة حقوق العرب المسلوبة فى فلسطين وسوريا ولبنان بدليل أن القوى الكبرى التى أيدت الجرائم الوحشية الإسرائيلية واعتبرتها دفاعاً عن النفس وأيدت كذلك نشر قوات دولية على الحدود مع لبنان أو على نحو أدق داخل أراضى لبنان، هى نفسها التى ترفض أى حديث لنشر قوات دولية فى غزة والضفة لحماية الشعب الفلسطينى من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التى يرتكبها ضده المحتلون ليل نهار. لقد داست إسرائيل على كل المواثيق الدولية عندما راحت تمعن القتل والاغتيالات لرموز المقاومة العربية من أمثال الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى. ولم يتحرك المجتمع الدولى.. وأمطرت غزة بالقنابل العنقودية والانشطارية ولم يتحرك الضمير العالمى.. ثم ها هى تقوم الأن بكل صنوف الجرائم التى عرفتها البشرية وتفوقت على جرائم النازية.. ولم ير العالم فى جرائمها سوى أنه دفاع عن النفس. ازدواجية المعايير لقد فضح العدوان الإسرائيلى على لبنان ازدواجية المعايير والأخلاق الدولية وكشف عن انحياز أمريكى سافر وسافل لجانب الدولة العبرية على حساب حق المقاومة المقدس الذى تقره القوانين والمواثيق الدولية. كما كشف العدوان الغاشم تآمر الاتحاد الأوروبى مع بعض الحكومات العربية ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية واللتان تظلان معاً تجسيداً حياً لصمود الأمة ورفضها الانصياع والاملاءات وفرض الأمر الواقع. والأدهى من كل ذلك انه فى الوقت الذى تتواطأ فيه واشنطن مع إسرائيل على ابادة اللبنانيين وانتزاعهم بالحديد والنار من محيطهم العربى إلى أحضان إسرائيل اذا ترأس الدبلوماسية فيها رايس تفتح لها العواصم العربية وبيروت تحديداً أبوابها أمامها وتستقبلها بالأحضان.. أبعد هل هذه الجرائم يستغرب احد لماذا تفعل أمريكا ما تفعله بنا؟ على أن حرارة القبلات والأحضان لم تغير من بنود ملامح الشرق الأوسط الجديد الذى تمثل جولة رايس الأخيرة تدشينا لميلاده غير الشرعى من رحم المأساة التى يعيشها الشعب اللبنانى وعلى أنقاض جماجم وعظام المقاومين الشرفاء الذين فضلوا الموت فى ساحة المواجهة على الانبطاح وادارة دولهم بالريموت كنترول من سيد البيت الأبيض. الحدود الأمنة وبعيداً عن احاديث المغامرات والحسابات الخاطئة وبرغم الفارق المهول فى الامكانيات العسكرية فقد أثبت مقاتلو حزب الله انهم قادرون على إيلام إسرائيل ومنازلتها بشراسة واستبسال كما أنهم أنهوا إلى الأبد ولأول مرة أسطورة الحدود الآمنة وخوض العدوان خارج أراضيها.. ان ضرب حيفا ونهاريا وعكا وغيرها من مستعمرات شمال إسرائيل نسف أخطر "تابوهات" الدولة العبرية وفتح الطريق أمام اكتوائها بحرب المدن فى أى مواجهة عسكرية مقبلة وهى التى طالما تمتعت بتدمير المدن العربية وتسويتها بالارض فيما تنعم مدنها بالهدوء والوداعة. ومهما كانت نتائج المعارك الضارية التى يخوضها مقاتلو حزب الله ضد جيش الاحتلال المدجج بأحدث آلات القتل والذبح والخراب.. فإنه يحسب للمقاومة اللبنانية شجاعتها وجسارتها وضربها العمق الإسرائيلى فى سابقة لن تكون الأولى وهو ما سيجعل جنرالات ومجرمى الحرب الإسرائيليين يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على مغامرة جديدة.. فقد انتهى إلى الأبد الذى كانت تقصف فيه المقاتلات الإسرائيلية بيروت أو بغداد أو غيرهما من العواصم العربية دون أى مرجع فى حيفا أو تل أبيب