حسن نصر الله، زعيم حزب الله، يستحق اللوم.. والتقريع.. والتوبيخ.. والسباب البذيء.. وتلويث السمعة. بل يستحق القتل بأيدينا قبل أيدي اعدائنا. حسن نصر الله.. يستحق كل هذا وأكثر.. لأنه تجرأ وتجاسر ورفع اصبعه في وجه اسرائيل، بينما جميع "أشقائه" العرب يسعون الي كسب ودها، ويزحفون علي بطونهم من اجل استرضائها، ويشعلون اصابعهم شموعا لها عسي ان ترضي عنهم، وتتكرم بالصلح معهم، وتتفضل بالموافقة علي تطبيع العلاقات معهم. حسن نصر الله.. يستحق اللوم لأنه استخدم البندقية وحمل السلاح، بينما صمتت مدافع العرب وعلاها الصدأ، رغم عدم توقفهم عن عقد صفقات السلاح وشرائها بمليارات الدولارات من امريكا وتكديسها في مخازنهم، تحسبا ليوم قادم لا محالة يستخدمونها فيما بين بعضهم البعض. حسن نصر الله.. يستحق اللوم لأنه لايزال يستخدم كلمة "مقاومة" التي شطبها العرب من قاموسهم واعتبروها كلمة نابية تخدش الحياء وتكدر السلم العام. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لأنه استمرأ الكفاح المسلح ونسي ان هذا السلاح أصبح من الممنوعات في عصر عربي لا يعترف إلا ب "السلام" كخيار استراتيجي لا رجعة عنه مهما حدث. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لأنه لم يكتف بالخروج علي وحدة الصف العربي وأصر علي المقاومة وحمل السلاح.. بل انه انتصر ايضا ونجح من قبل في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وجعل "شركاءنا" الاسرائيليين في السلام ينسحبون من لبنان عام 2000 وهم يجرجرون اذيال الهزيمة ويخرجون من بلاد الارز دون ان يجلس اللبنانيون معهم علي مائدة المفاوضات أو يعقدوامعهم اي صفقات أو اتفاقات. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لانه رجل طماع لم يقنع بخروج الاسرائيليين من جنوب بلاده، بل سولت له نفسه ان يواصل تمرده من اجل حملهم علي الانسحاب من مزارع شبعا والافراج عن الاسري اللبنانيين. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لأنه لم يكتف ب "الكلام" - الذي هو افضل اسلحة العرب وأحبها الي قلوبهم - بل ان انه شفع الاقوال بالافعال. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لانه تمادي وضرب اسرائيل بالصواريخ وشن الهجوم علي اهداف "عسكرية" فقتل من قتل، واصاب من اصاب، ولم يكفه ذلك.. بل قام بأسر اثنين من هؤلاء الجنود الاسرائيليين "الأبرياء" وطالب بمبادلتهما بالأسري اللبنانيين العرب الذين يرزحون في غياهب المعتقلات الاسرائيلية منذ سنوات. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لأن اسرائيل عندما رفضت مطالبه وقررت شن هجوم شامل علي لبنان بأسره وليس علي حزب الله فقط، والعقاب الجماعي لكل اللبنانيين علي اختلاف طوائفهم وليس لانصار حزب الله فحسب، رد علي عدوانها بضرب بارجة حربية اسرائيلية تعيث فسادا في المياه الاقليمية اللبنانية ولا تتوقف عن اطلاق القذائف التي تهدم البيوت اللبنانية علي رؤوس أصحابها. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لانه لم ينجح في القيام بهذه "الفعلة" التي لم تحلم الحكومات العربية بها واعتبرتها من الاوهام المستحيلة بحيث لا نتذكر اغراق قطعة بحرية اسرائيلية اخري اللهم الا المدمرة ايلات علي ايدي الضفادع البشرية المصرية في أواخر الستينيات. لم ينجح زعيم حزب الله في ذلك فحسب بل انه نجح ايضا في قصف مدن في عمق اسرائيل واجبار أكثر من مليون اسرائيلي علي ترك بيوتهم والنزول الي الملاجيء ربما لأول مرة منذ قيام الدولة اليهودية. حسن نصرالله.. يستحق اللوم لان افعاله "الجنونية" الناجحة ايقظت الجماهير العربية النائمة في العسل الاسود منذ سنين وعقود وفتحت اعينهم علي حقائق جديدة كانت تعتبر حتي الامس في عداد الخرافات، من بينها خرافة ان الجيش الاسرائيلي لا يقهر.. فإذا بقوات غير نظامية "علي قد حالها" - مثل حزب الله - توجه اليه اللطمات الموجعة وتمسح بكرامته الارض، حتي ان قائد سلاح البحرية الاسرائيلي السابق قال انه كرجل عسكري كان سيفتخر بقيادة عملية مثل تلك التي قام بها حزب الله ضد اسرائيل واصفا هذه العملية بأنها "مركبة" و"مهنية" من طراز رفيع. فما بالك بقوات عربية أكثر عددا وأفضل تسليحا وتدريبا؟! حسن نصرالله.. يستحق اللوم لان انتصاراته ونجاحاته قد احرجت الجميع الذين أوهموا شعوبهم ان مناطحة اسرائيل بالرأس "مغامرة" انتحارية ومهمة مستحيلة، حتي جاء هذا "المغامر" ليثبت ان هذه "الحكمة" العربية المستقرة منذ عقود مجرد كلام فارغ وضحك علي الذقون. حسن نصرالله .. يستحق اللوم لأنه اثبت ان التمسك بالكفاح المسلح وخط المقاومة لا يتناقض مع المفاوضات، بل انه السبيل الوحيد لجدية التفاوض وتحسين شروطه. ولان اعداء حسن نصر الله "العرب" لا يسرهم الاعتراف بأي من الحقائق السابقة فانهم برروا لومهم له بأنه لم "يستشرهم" قبل ان يرفع اصبعه في وجه اسرائيل، ولم "يستشر" الفصائل اللبنانية الاخري قبل القيام ب "مغامرته" وبالتالي فانه ليس من حقه ان يطلب من احد مساندته أو التضامن معه لانه هو الذي جلب ذلك علي نفسه. وهذا منطق لا يستحق الرد أو المناقشة، لأنه تبرير واضح لسياسة العجز وفقدان الارادة، وهي سياسة تؤدي - في التحليل النهائي - الي الوقوف الي جانب العدوان الاسرائيلي علي لبنان واللبنانيين، أو علي الاقل غض الطرف عن هذا العدوان واعطاء الذرائع والمبررات. ولا يعني هذا ان حسن نصر الله فوق مستوي النقد، أو ان كل ما يقوله أو يفعله من قبيل المقدسات التي لا يجب مناقشتها. ففي السياسة لا توجد ابقار مقدسة ولا توجد محرمات، كما لا توجد احكام مطلقة ومجردة بل ان كل شيء نسبي وكل سياسة توجد لها ايجابياتها وسلبياتها، نقاط قوتها ونقاط ضعفها. ومن هذه الزاوية.. فإن تكتيكات حسن نصر الله، وحزب الله، ليست قرآنا منزلا من السماء أو انجيلا مقدسا، بل انها اجتهادات قابلة لأن نتفق أو نختلف معها كليا أو جزئيا.. لكن المناقشة النقدية الموضوعية شيء والهجوم والتطاول والتشويه المتعمد والتضليل المقصود شيء آخر. ثم ان لكل مقام مقالا.. وعندما يكون لبنان - الشعب والارض - يتعرض لعدوان وحشي فإن الوقت لا يكون وقت جدل ونقاش، وانما وقت تضامن ونجدة ومساندة مادية ومعنوية وسياسية من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه.وبعد اطفاء الحريق - وايا كان المسئول عن اشتعاله - يأتي وقتها فقط الجدل والنقاش حول كل شيء. اما ان ترك ألسنة اللهب مشتعلة لتأتي علي الاخضر واليابس وتهدد الامتداد الي باقي ديارنا، ونتفرغ لمحاسبة بعضنا البعض.. فإن هذا يصبح عبثا وعدمية سياسية وقصر نظر.. ان لم يكن خدمة مباشرة أو غير مباشرة لمشعلي الحرائق. وهذا ما يحدث في اسرائيل.