لا بد من النظر إلي حادثة اغتيال أبومصعب الزرقاوي من عدة زوايا وجوانب. وأولها نيل هذا السفاح الدموي جزاءه الذي يستحق كاملاً. أما أن مقتله كان نتيجة لوشاية أحد أفراد خندقه، فهذا هو التطور الأكثر إيجابية في مشهد العنف العراقي الدموي كله. ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً وأهمية هو من المستفيد الأكبر من اغتياله؟ ولا بد أن غياب الزرقاوي يمثل مكسباً مهماً لكل من إدارة بوش والحكومة العراقية، وهما يكافحان معاً من أجل بسط هيبة الدولة وسيادتها علي الشعب العراقي، الذي لا يزال يكابد صدمة الانفلات الأمني منذ الغزو الأمريكي. وبهذه المناسبة، فإن في الحديث المتكرر عن أن الحكومة العراقية لا تحكم قبضتها إلا علي أربع محافظات فحسب، تجاهلاً وتغييباً لحقيقة مهمة هي أن المحافظات الأربع المشار إليها هي الأكثر كثافة سكانية بين المحافظات العراقية، بما فيها نسبة ال25 في المائة من العراقيين التي تسكن العاصمة بغداد. أما حقيقة تحول العنف الطائفي العراقي إلي التحدي الأكبر الذي تواجهه كل من الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي، فتشير إلي أن مساهمة أبومصعب الزرقاوي في هذا التحول، قد أتت ثمارها الدموية المريرة سلفاً. فقد كان الزرقاوي هو من روج لفكرة النظر إلي المسلمين الشيعة باعتبارهم أعداء يجب قتلهم، بصرف النظر عن مهنهم أو أعمارهم أو جنسهم. وكان طبيعياً ألا تجد هذه السياسة قبولاً لدي مجموعات التمرد الأخري التي تري في قوات التحالف الدولي عدواً مشتركاً لكافة العراقيين. وقد أشكل علي هؤلاء وصعب عليهم فهم سلوك الزرقاوي الذي ولغ في دماء قتلاه من الشيعة المدنيين العراقيين الذين أزهق أرواح الكثيرين منهم في هجمات عشوائية لا مبرر لها، وكذلك الحال مع المسلمين السنة في الأردن! وإذا ما صح هذا، فإن ذلك ربما يدفع هذه الجماعات باتجاه الحوار والمصالحة مع الحكومة العراقية الحالية، والعمل معها علي وقف دائرة العنف الشريرة التي طوقت البلاد. غير أنه علينا ألا نغفل الاحتمال الآخر الذي ربما يترتب علي مصرع الزرقاوي: أي أن تؤدي هذه الحادثة إلي تصعيد نيران التمرد وعملياته ضد التحالف وضد البني التحتية العراقية، مع خفض الهجمات التي تستهدف المدنيين العراقيين. والأهم من ذلك كله ضرورة النظر إلي مصرع الزرقاوي وأثره علي الأمن العراقي، من زاوية علاقة العراق بجيرانه في المنطقة، ومدي استعداد دول الجوار لمساعدة الحكومة العراقية علي بسط الأمن والاستقرار في حدودها. ولا بد من الاعتراف هنا، بأن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وما صحبه من أهداف أمريكية معلنة تستهدف المنطقة برمتها، قد تحول إلي فزاعة لدول الجوار كلها. والذي حدث في الحالة العراقية، هو علي النقيض تماماً مما حدث في غزو أفغانستان، حيث ظلت دول الجوار جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي السلمي للسلطة، وحيث تعاونت دول متباينة أشد ما يكون التباين، من روسيا إلي إيران والهند، مع تلك العملية وقبلت الأهداف المعلنة للغزو. ولنذكر أن الرسالة الأولي التي بعثت بها إدارة بوش لدول الجوار، خاصة إلي كل من مصر وإيران وسوريا والمملكة العربية السعودية هي أن العراق لن يكون سوي مقدمة ونموذج لتحول أوسع، لنمط الديمقراطية الموالية للغرب، وأن غزو العراق سيفتح الطريق إما أمام فكرة تغيير الأنظمة القائمة، أو دفعها إلي تبني إصلاحات سياسية جذرية، علي امتداد المنطقة الشرق أوسطية بأسرها. ولذلك فقد كان طبيعياً أن تواجه هذه الاستراتيجية بالرفض والنفور، خاصة من الدول التي عنتها الرسالة مباشرة. إذن فإن النتيجة الرئيسية التي يمكن أن نخلص إليها، هي أن أمن العراق رهين إلي حد كبير بالاتفاقات ومدي التعاون الذي تستطيع بغداد بناءه مع جيرانها الإقليميين. وفي هذا تلعب الدبلوماسية الأمريكية دوراً مهماً، وليس عصا التهديد والوعيد لإيران وسوريا وغيرهما من دول الجوار.