لا يملك المرء سوي التساؤل عما كان يجول في أذهان أولئك الذين كانوا ينصحون جورج بوش وتوني بلير "الاعتراف بالواقع" إذا جاز التعبير عن أوجه القصور لكل منهما فيما يتعلق بالحرب في العراق. ومع مقتل أكثر من 2460 أمريكياً و106 من الجنود البريطانيين (ناهيك عن آلاف القتلي العراقيين) فإن الرجلين الأكثر مسئولية عن الكارثة المتزايدة في العراق كشفا عن اللامبالاة والجهل اللذين أديا إلي تورطهما في مستنقع أفعالهما منذ البداية. أعرب بوش عن ندمه علي "تحدثه بلغة صارمة"، فيما تحدث رئيس الوزراء البريطاني متأملاً عن قرار تفكيك البنية التحتية لحزب البعث التي كانت توحد العراق في أعقاب سقوط النظام صدام حسين، ولم يعرب كلاهما عن ندمهما علي قرار غزو العراق في المقام الأول. لم يذكر بوش شيئاً عن المزاعم المبالغ فيها والزائفة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تناقلها هو وحليفه علناً في الأشهر التي سبقت غزو العراق في مارس 2003. لم يقم بلير الذي عاد من بغداد مؤخراً حيث التقي نوري المالكي الذي اختير آخيراً رئيساً للوزراء في العراق بإظهار واقع أن عراق صدام حسين كان أرضاً أكثر أمناً وازدهاراً قبل أن تقوم القوات البريطانية والأمريكية بالاطاحة بالرئيس العراقي والحكم علي العراق بواقع مريع قوامه الصراع المدني الذي يغذيه المسلحون. أشار بوش بقوله: "علي الرغم من العقبات والعثرات، إلا أنني أعتقد جازماً بأننا قمنا ونقوم بالأمر الصائب"، مع أنه أضاف بسرعة: "لم تسر كل الأمور كما أملنا". هذا بكل تأكيد قد ينال جائزة التصريح الأجوف عن هذا العام. ومن جانبه، تحدث بلير عن التقدير الخاطئ ربما أبرز التقليل من شأن الحركة المسلحة وشدتها التي وصفها بطريقة معهودة بحرب علي العملية الديمقراطية، وليس بأنها كفاح ضد الاحتلال اللاقانوني واللاشرعي وغير العادل. وأبدي بلير فراسته التأملية عندما كان أبناء الشعب البريطاني يصطدمون بالكشف عن حقائق جديدة فيما يتعلق بالكيفية التي خدع بها بلير لورد جولد سميث المدعي العام البريطاني ودفعه إلي تقديم الرؤية القانونية التي تخول بريطانيا خوض الحرب علي العراق من دون الحصول علي قرار ثان من مجلس الأمن. وقد أخبر بلير لورد جولد سميث بوضوح بأن العراق "نقض العهد" فيما يخص التزاماته، علي الرغم من الحقيقة التي تفيد بأنه لم يتم اكتشاف أي معلومات جديدة حول أسلحة الدمار الشامل. ومفتشي الأسلحة التابعون للأمم المتحدة كانوا يحظون بتعاون كامل من الحكومة العراقية علي الأرض في العراق. مع ذلك لم يلق رئيس الوزراء البريطاني نظرة خاطفة حتي علي هذه القضية. ومن جانبه ناقش بوش ببلاغته تكلفة غزو العراق بالنسبة لأمريكا قائلاً: "لا شك في أن حرب العراق قد أوجدت شعوراً بالضيق الشديد هنا في أمريكا، أعني أنه حين نشاهد في التلفاز أشخاصاً أبرياء يموتون طوال الوقت، فإن ذلك يؤثر علي أفكارنا تجاه دولتنا". وأضاف: "إنني أتفهم سبب كون الشعب الأمريكي يبدو منزعجا من حرب العراق. أتفهم ذلك. ولكني أعتقد أن ذلك يستحق التضحية وأنه ضروري". وبالطبع التزم الرئيس بوش الصمت حيال الزيارة الحالية إلي العراق التي يقوم بها الجنرال مايكل هاغي قائد فيالق المارينز الذي في ضوء الاتهامات الأخيرة باستخدام القوة المفرطة فيما يتعلق بخوض المارينز معركة حياة أو موت في محافظة الأنبار العراقية جري تحذيره بأن علي جنوده اللجوء للقتل "عندما يكون القتل مبرراً فقط". لقي قرابة 717 من المارينز حتفهم في اشتباكات في العراق معظمهم في محافظة الأنبار حيث يتمركز التحرك العراقي المسلح هناك. المارينز من الكتيبة الثالثة في الفرقة الخامسة متهمون بقتل العشرات من العراقيين الأبرياء في أعقاب معركة بالأسلحة النارية تلت هجمات مميتة علي المارينز بواسطة قنابل زرعت علي جانب الطريق. وفي خضم صراع لم يتسببوا به، مواجهين عدواً يقاتل بضراوة كضراوتهم وثبات كثباتهم، يتلقي المارينز محاضرات الآن من قبل الجنرالات بتدمير ما يجب تدميره فقط، وبقتل من يجب قتلهم فقط، وكأن الحرب سهلة إلي ذلك الحد.