في عالمنا العربي نحن أساتذة ومحترفون في تسديد أهدافنا خارج المرمي.. فنختلف في مواضع الاتفاق، ونعتذر في مناطق الثبات علي الرأي والمبدأ.. ونتفرق وتذهب ريحنا فيما يجب ان نصبح فيه يدا واحدة، مثل الرماح المجتمعة، تأبي ان تتكسر او ينثني عودها، أما اذا تفرقت تكسرت آحادا وأعوادا!! في هذا المكان وعندما قصصت عليكم رؤيتي التي رأيت فيها أناسا يعتذرون ويسكبون الدمع عما ارتكبوه في حق البشر من اخطاء، توقعت بل وتمنيت ان يصبح الحلم علما، ويعتذر المخطئون لمن أخطأوا في حقهم. لكنني فوجئت بالعكس تماما، المخطيء هو الذي يدعو المجني عليه الي التوبة والاستغفار عما اقترفه في حق الجاني.. ووجهة نظره غاية في الدهشة؛ ألمه وصراخه من الظلم والتعبير عنه تشهير بالجاني واحراج له وتشويه لصورته الانسانية أمام الرأي العام الذي يراه ملاكا بجناحين يحلق في سماء الفضيلة بالجمهورية المثالية الفاضلة. علي سبيل المثال لا الحصر، فوجئت الاسبوع الماضي ان ممدوح اسماعيل صاحب العبارة السلام التي غرقت في فبراير الماضي، وتسبب في وقاة أكثر من ألف شخص، بدلا من ان يذهب الي مجري الدموع أو مجري العيون ويذرف دمعة أسف عما ارتكبه في حق الابرياء أو يذهب الي سفاجا ويذرف ألف دمعة "مقابل دمعة واحدة علي الأقل عن كل قتيل" عله يغسل بها يده التي تخضبت بدمائهم.. بدلا من ذلك فوجئنا بأن محاميه هو الذي ينذر أحد الكتاب الكبار، لمجرد أنه انفعل مع الموقف وذرف الدموع علي أرواح الضحايا الأبرياء، وراء يترجم أحاسيسه تجاههم، بأن شرع يكتب سيناريو لفيلم عن العبارة الغارقة!! "شوفوا الجبروت". الجاني لم يأسف ولم يندم ولم تتحرك مشاعره فيبكي أو يدمع أو حتي تتحرك شفتاه بكلمة طيبة تطفيء النار المشتعلة في قلب ألف أسرة من أسر الضحايا .. لكنه بدلا من ذلك أرسل محاميه لكي يهدد وينذر كاتبا كل تهمته انه انسان رق قلبه وأصابته الفجيعة لما حدث، فراح يترجم ما يجيش في صدره المحروق علي الورق، عله بهذا الإسهام البسيط يكون قد فعل شيئا ايجابيا يعبر به عن الغموض والأسرار التي تلف الكارثة.. الرجل اضعف الايمان يلقي بزهرة في البحر الذي ابتلع هؤلاء وماتوا بأسرارهم. فماذا فعلوا مع الرجل؟ لنترك له الاجابة، يقول وحيد حامد كاتب السيناريو انه تسلم انذارا قضائيا من مكتب الاستاذ لبيب معوض محامي ممدوح اسماعيل مالك العبارة يطلب فيه صراحة التوقف فورا عن كتابة فيلم "عبارة الموت". حجة الانذار من المحامي هي ألا يؤثر الفيلم علي التحقيقات التي تجريها النيابة العامة. ليس هذا فقط بل انه قال في انذاره وبعبارة واضحة: انه اذا لم يتوقف عن الكتابة خلال اسبوع فإن ممدوح اسماعيل سوف يتوجه الي القضاء! بداية نحن نحترم رأي القضاء ولا نتدخل من قريب أو بعيد في التحقيقات التي تجري من أجل اظهار الحقيقة.. ولكننا الآن في قضية اخري ليس لها علاقة بالعبارة أو ممدوح اسماعيل، وما اذا كان له دور فيما حدث أم لا، فهذا كما قلنا من صميم عمل القضاء، لكننا الآن نتكلم في قضية اخري. القضية تتمثل في ان شخصا ما يعطي لنفسه الحق كي يقتحم بيتك ويخترق حدود رأسك ويفتش في افكارك التي لم تخرج بعد علي الورق، يقول لك: اكتب في هذا وابتعد عن ذاك وإلا فاضيناك! فالكاتب وحيد حامد وبينما هو لايزال في مرحلة كتابة السيناريو - والمفترض أنه لا يكتب علي الهواء وليس مرصودا بالأقمار الصناعية - رصده الراصدون وعرفوا انه يلعب في حقل الألغام ولذلك راحوا يهددونه بعبارة ممنوع الاقتراب أو التصوير والا دخلت في المحظور وانفجرت فيك القنابل ورحت في خبر كان!! تخيلوا كاتبا مازال يقدح زناد فكره ويكتب ، والمفترض ان احدا لا يعرف ماذا يكتب وحتي اذا كتب، فهو يكتب سيناريو لم ينته منه بعد، ولم يترجم الي عمل فني.. أي انه لم يصور الفيلم ومع ذلك حذروه!! تصوروا معي الكارثة.. فيلم مازال في مرحلة الكتابة.. ولم يتم بعد الشروع في تصوير السيناريو وترجمته الي عمل فني سينمائي مصور.. وحتي اذا وصل الي هذه المرحلة فالمفترض ان ممدوح اسماعيل والذين معه من محامين ومعاونين لا يعرفون الموجود في السيناريو والزوايا المعالجة في الفيلم لانه لم يخرج بعد الي السوق وتم عرضه في السينما. حينها فقط يكون من حق مالك العبارة وايضا من حق النقاد ان يقولوا كلمتهم فيعترض من يعترص ويذهب الي القضاء كل متضرر!! ولكن وحيد حامد رجل عنيد .. قبل التحدي واعلن انه سيبحر في منطقة الجريمة عكس التيار وأنه سوف يغوض الي قرار البحر حتي يصل الي الحقيقة. ولذلك اعتبر ان هذا الانذار خرق للدستور ومخالفة صريحة له، لأنه مصادرة صريحة لحريته في التعبير والابداع.. لذا فهو يرفض الحجر علي رأسه. بناء علي ذلك طلب من محاميه التوجه الي النائب العام كي يعلن بوضوح رفضه مصادرة الرأي والارهاب الذي تعرض له.. وأعلن صراحة خوفه من أن يرسل له الخصم - بلطجية للاعتداء عليه ! ما حدث هو بكل المقاييس سابقة خطيرة تشير إلي انه في اطار الخصخصة قام البعض بتشكيل محاكم تفتيش خاصة بهم وقاموا بتزيدها بفرق مظلات تهبط علي الكتاب وتفتش في رؤوسهم ولو كانوا في بروج مشيدة.. فتجيز لمن تشاء وتصادر لمن لا تشاء، بل وتحدد "منيو" الكتابة حسب القائمة.. فهذا جدول المسموح، وتلك منطقة المحظور والممنوع، ومن يخالف وضعوا "السيخ المحمي في صرصور ودنه"!!.