هل هناك من مؤسسة أكثر خطراً علي مستقبل أمريكا من شركة "جنرال موتورز"؟ ومن دون أدني شك، فكلما سارعت شركة "تويوتا" اليابانية للاستحواذ علي هذه الشركة الأمريكية، كلما كان ذلك أفضل لمستقبل بلادنا. فهي شأنها شأن "مروجي المخدرات"، تبقي مدمني سياراتها دائماً، في أقصي حالات تعلقهم بها. من ذلك مثلاً إعلانها عن "برنامج حماية أسعار الوقود" الخاص بها في 23 من مايو المنصرم. وبموجب البرنامج المذكور، فإذا اشتريت سيارة من سياراتها بحلول الخامس من يوليو المقبل، وكنت من سكان ولاية فلوريدا أو كاليفورنيا، فإن هذا البرنامج يؤمِّن لك حق شراء جالون الوقود بسعر سيارات التاكسي، أي بمبلغ 1.99 دولار لمدة عام واحد. وبموجب هذا الضمان، فليس هناك حد أقصي أو أدني لعدد الأميال التي يمكنك قطعها للجالون الواحد. وبذلك فما عليك إلا أن تستهلك أكبر كمية تستطيع استهلاكها من الوقود! وكما جاء علي لسان وكالة "أسوشيتد برس"، فإن شركة "جنرال موتورز" تعطي مشتري سياراتها رصيداً ائتمانياً من الطاقة بناء علي بطاقة مدفوعة مقدماً، اعتماداً علي تقدير استهلاكهم المتوقع للوقود. وعلي حد سجلات "أون ستار"، وهي مؤسسة تابعة لشركة "جنرال موتورز"، فإنه يجري حساب استهلاك الوقود بعدد الأميال التي تقطعها السيارة، وكذلك بدرجة اقتصاد السيارة في استهلاكها للوقود. أما الميزة التي يقدمها البرنامج المذكور للسائقين، فهي الفارق بين متوسط سعر الجالون من الوقود، وذلك المؤمَّن لسيارات الأجرة، الذي لا يتجاوز ال1.99 دولار مثلما سبق القول. إلي ذلك فليست من ميزة يجنيها المستهلكون فيما لو انخفضت أسعار الوقود إلي ما دون ال1.99 دولار للجالون. ولكم تعجبت لما جاء في تصريح رسمي ل"ديف بورشيلت"، مدير شركة "جنرال موتورز" بالجنوب الشرقي، جاء فيه: "إن هذا البرنامج يمنح المستهلكين فرصة لتجريب السيارات الأعلي كفاءة في استهلاك الطاقة من منتجات الشركة من السيارات المتوسطة الحجم". فهل في وسع أحد تصديق كلام كهذا؟! وعلي مستوي ولاية كاليفورنيا، فإن السيارات التي يحق لها أن يشملها هذا البرنامج هي: سيارات "شيفروليه تاهو" و"سبيربان" لعامي 2006 و2007، وكذلك سيارتا "إمبالا" و"مونتي كارلو"، والسيارتان الاقتصاديتان "يوكون" ويوكون XL وكذلك سيارتا هامرH2 وH3، وسيارات كاديلاك SRX و"بونتياك جراند بريكس" و"بيك لوسرين". أما السيارات التي يشملها البرنامج نفسه في ولاية فلوريدا، فتشمل سيارتي "شيفروليه تاهو" و"مونتي كارلو" لعامي 2006 و2007، إلي جانب "بونتياك جراند بريكس" و"بيك لاكروسي". ومن بين هذه السيارات جميعاً، لنتخذ من هامر H2 مثالاً لما تدعيه "جنرال موتورز" من كفاءة عالية في استهلاك الطاقة لمنتجاتها! فالمعروف عن هذه السيارة أنها تقطع 9 أميال فحسب عن كل جالون من الوقود تستهلكه. أما سيارة شيفروليه سبيربان، فتقطع 15 ميلاً عن كل جالون تستهلكه... فما أروعها فرصة "لشفط" كميات مهولة من الوقود هذه التي تحدثنا عنها شركة "جنرال موتورز"! وفي المقابل فإن جنودنا يخوضون حرباً علي الإرهاب في كل من أفغانستان والعراق، مع العلم بأننا نواصل تمويلنا لذلك العدو بعائدات مشترياتنا من الوقود النفطي. وبذلك تبرز حقيقة أننا نمول كلا الجانبين في حربنا المعلنة علي الإرهاب الدولي. فماذا نحن فاعلون إزاء هذا؟ والمشكلة ليست في دعم "جنرال موتورز" لمشتري سياراتها الشرهة فحسب، وإنما في صمت أعضاء الكونجرس و"المحافظين" و"الليبراليين" علي حد سواء، عن المطالبة بتنفيذ ما يعلمونه جيداً: أي فرض ضريبة خاصة علي استهلاك الوقود النفطي، بغية إرغام المزيد والمزيد من المستهلكين الأمريكيين علي شراء السيارات الأعلي كفاءة في استهلاك الطاقة، إلي جانب إلزام شركات صناعة السيارات في ديترويت بتغيير خططها الإنتاجية لصالح هذا الاتجاه الجديد. فأين هي مواقف الرئيس الملهمة في هذا الشأن؟ وما زلت في انتظار سماع شيء من "جون ماكين" و"مت رومني" و"جورج آلين" و"آل جور" أو "هيلاري كلينتون". وإن كان ذلك في حدود دعمهم لسعر 3.50 دولار عن الجالون الواحد. وإذا ما قدرت لكم زيارة موقع "جنرال موتورز" علي شبكة الإنترنت، فإنكم تجدون فيه عرضاً خاصاً للجنود الأمريكيين، في حال شراء أي منهم لسياراتها من موديلات 2005 وحتي 2007، وذلك "تقديراً منها لالتزامهم الوطني"، ويا لها من وطنية. ولكن أليس أفضل وأقوي تعبيراً عن الوطنية، أن تسارع الشركة إلي شراء أصوات أعضاء الكونجرس، تفادياً لفرض أية أميال أو معايير لاستهلاك الجالون الواحد من الوقود؟! إن مثل هذه الاستراتيجية هي التي جعلت من رأسمال شركة "تويوتا" 198.9 مليار دولار، مقابل 15.8 مليار فحسب ل "جنرال موتورز". وبالمقارنة، فإن رأسمال شركتنا القومية العملاقة في مجال تصنيع السيارات، لا يزيد إلا بقليل علي رأسمال شركة "هارلي دافيدسون" لصناعة الدراجات النارية، مع العلم بأن هذا الأخير هو 13.6 مليار دولار!