استثمرت بعض الفنانات "هوجة" ارتداء عدد من الممثلات الشابات للحجاب، وتراجع البعض من اللاتي ارتدين الحجاب من قبل عن قرار اعتزال الفن، وعودتهن للمشاركة في بطولة أعمال درامية، للمطالبة باتاحة الفرصة لزيادة مساحة تواجد الشخصيات المحجبة علي الشاشة، وحجتهن في هذا أن الواقع يذخر بالكثير من المحجبات اللائي لا يجدن لمشاكلهن وطموحاتهن مكانًا في الأعمال الدرامية التي تقدم في السينما والتليفزيون. وجهة نظر أيدتها الفنانة العائدة من الاعتزال، بعد ارتداء الحجاب "سهير البابلي" عندما أعربت عن استنكارها لهذا النفي الجماعي للمحجبات من الشاشة، وقالت في تصريح لإحدي المجلات الفنية إن الدراما المصرية لا تعكس ما يجري في الواقع، سواء علي المستوي الاجتماعي أو الديني، بشكل صادق وهو الرأي الذي ردت عليه الممثلة والكاتبة نادية رشاد بقولها: من حق الفنانات المحجبات أن يطالبن بزيادة مساحة تواجدهن علي الشاشة، لكنني أري ان لدينا الكثير من القضايا التي تستحق الاقتراب منها وتناولها بتركيز لأنها تمس أحوالنا الحياتية وهمومنا اليومية بأكثر من التوقف عند قضية نقص عدد المحجبات أو عدم ظهور المنقبات علي الشاشة. ويؤكد المخرج محمد خان أن الحجاب أمر شخصي جدًا، وليس من المعقول أن تنحصر مطالبة المحجبات في زيادة حضورهن وتواجدهن، لمجرد انهن يرتدين الحجاب، وليس لأنهن يطالبن بالتعبير عن همومهن ومعاناتهن وفي رأيي ان طرح القضية بهذا بشكل يعكس نيات مغرضة. أما حلا شيحا التي ارتدت الحجاب مؤخرًا لكنها لم تعتزل التمثيل فتنفي تراجع المنتجين والمخرجين عن اسناد أدوار إليها وتقول: لم يؤثر الحجاب علي جماهيريتي، خصوصًا في السينما بدليل أن عدد الأدوار التي عرضت علي في الفترة الأخيرة أكثر بكثير مما كان يعرض علي من قبل، فالشيء الذي ينبغي أن يكون معلومًا للجميع أن التدين لا يعني اعتزال الناس والمجتمع، ولا يوجد تعارض علي الاطلاق بين أدوار البطولة والحجاب لأنني لا أستثمر انوثتي في التمثيل، وعما سيكون ردها لو انها أختيرت لتجسيد دور فتاة متشددة دينيًا أو منقبة علي الشاشة قالت الممثلة الشابة يسرا اللوزي التي اختارها المخرج الكبير يوسف شاهين لبطولة فيلمه الأخير "اسكندرية نيويورك": لم لا؟! فأنا قادرة علي تقمص أي كاراكتر، وهناك ممثلات فعلن هذا من قبل، مثل هند صبري التي ارتدت الحجاب في فيلم "أحلي الأوقات" ومني زكي في "سهر الليالي" وياسمين عبد العزيز في "صايع بحر" وأتذكر أن ياسمين الجيلاني فعلت هذا أيضا في عمل ما لكنني - في المقابل - لا أتفق مع وجهات النظر التي يطالب أصحابها بزيادة مساحة تواجد المحجبات علي الشاشة، حتي لو كانت الحجة أن ظاهرة الحجاب تمثل نسبة كبيرة في المجتمع المصري، فالمهم في كل الأحوال أن نجيب علي السؤال الذي يفرض نفسه: "هل هناك ضرورة درامية لوجود مثل هذه الشخصيات أم ان المسألة تصب في خانة إرضاء التيار الديني أو تملقه؟". من ناحيتها ترفض الناقدة ماجدة خيرالله هذا المطلب وتبرر هذا بقولها: لقد زاد عدد الأطفال اليتامي واللقطاء وكذلك المتسولين في الشارع المصري، وباتوا يمثلون ظاهرة في المجتمع المصري، فهل يعني هذا أن نعمل علي زيادة رقعة تواجدهن علي الشاشة؟ "ده كلام في الهجايص" - هكذا قالت - ويبدو أن في الأمر مجموعة من التناقضات التي تستدعي وقفة منا جميعًا، فكلنا نذكر أن هؤلاء المحجبات رفضن عند اتخاذ قرار ارتداء الحجاب أن يعملن بالفن، ووصفوه بأنه "حرام" ولم يتردد الغالبية منهن في تكفير الفن والفنانين، وعندما عادوا - فجأة - عن قرار الاعتزال راحوا يروجون أنهن لن يعملن سوي في الأعمال الدينية، وإذا بهم يتراجعون للمرة الثانية وقبلوا التواجد في أعمال اجتماعية، دون أن اتورط في ذكر اسماء من فعلوا هذا، سواء من الرجال أو النساء، وكانت المفاجأة أن "الواحدة منهن" تقاضت الملايين من الجنيهات مقابل موافقتها علي التمثيل في أعمال جديدة، ظنًا من المنتجين انهن "الدجاجة التي ستبيض لهم ذهبًا" بينما سيتضح لهم ولنا انهم "لا يساوون نكلة" ولا أظن - تواصل ماجدة خير الله - أن احدًا سيحقق غايتهن في تفصيل أدوار "علي مزاجهن الخاص" حتي في التليفزيون الحكومي وقطاعاته الانتاجية. وفي السياق الرافض نفسه تؤكد الناقدة صفاء الليثي انها لا ترحب بانتشار الحجاب، ليس فقط علي الشاشة، وانما في الحياة المدنية نفسها، وتبرر وجهة نظرها بأن مصر كانت أفضل منذ عشرين أو ثلاثين عامًا، بدليل أن الطائفية لم تجد طريقها إلي المجتمع إلا بعد ازدياد حدة العصبية والتعصب للعقيدة، وأصبح من السهل أن تميز الفتاة المسلمة عن غيرها بالزي فقط، وهو ما يعني أن تتغير نظرة ولهجة المتشددين بمجرد الاطمئنان أو التوجس من انتمائك الديني وإن عادت "صفاء" لتؤكد ان ظهور فتاة محجبة في فيلم "أحلي الأوقات" يوضح حقيقة ما يجري في الواقع والمجتمع المصري من تغيير، وأخيرًا يري الناقد محمود قاسم أن المطالبة بزيادة مساحة تواجد الشخصية المحجبة علي الشاشة يعني تحريضًا علنيًا ضد كل من لا ترتدي الحجاب، بينما لا يستطيع أحد أن يجزم بأن الحجاب هو عنوان للعفة والطهارة وعدم ارتكاب الآثام والموبقات، فالواقع يكذب هذا - علي حد قول "قاسم" - ويضرب الناقد محمود قاسم مثالاً علي التناقض الذي يسود هذه الفئة من المحجبات، خصوصًا بين الممثلات باصرارهن علي ارتداء الحجاب والاعتزال ثم تراجعهن عن قرار الاعتزال، والترحيب بالعودة للفن الذي طالما لعنوه ووصفوه بأنه "حرام" و"رجس من عمل الشيطان" واستعار "قاسم" التجربة الايرانية التي لم تحرم الفن، علي الرغم من وجود تيارات دينية متشددة، لكنها عرفت كيف توظفه كأداة للتطوير المجتمعي ورسالة لتجميل صورة الحكم في إيران بعكس السلفيين في مصر، الذين التبس عليهم دور الفن ووظيفته فحرموه وكفروه وعندما أيقنوا انه يمثل أهمية لدي الشعب المصري عادوا وعقدوا مصالحة ظاهرية معه.