مختلف أنواع الجرائم ترتكب في مصر، ويتم فيها انتهاك حقوق جميع المواطنين ولا تتوقف عند ازهاق ارواح عشرات او آلاف المصريين بل تصل الي حد توصيفها بانها جريمة قتل وطني وللاسف فان العقاب عليها لا يرقي لمستوي الجرائم.. فالعديد من هذه الجرائم يتم تصنيفها علي انها جنحة اي ان عقوبتها لا تزيد في اشد الظروف وعند توقيع اقصي عقوبة ينص عليها القانون عن الحبس عشر سنوات، وكأن الشعار العام اقتل الآلاف ودمر في الوطن وعقوبتك جنحة والتعويض عن الارواح ملاليم وكلنا يتذكر ما حدث في كارثة غرق العبارة السلام (98) التي راح ضحيتها اكثر من ألف مواطن مصري، غرقوا مع احلامهم واشواقهم لرؤية ذويهم بعد السفر والغربة وضاعت معهم امتعتهم البسيطة وما استطاعوا جمعه وتحويشه في الغربة من اموال قليلة ضاعوا بعد ان ارسلت عبارتهم اشارة استغاثة سمعها العالم كله الا مواقع الانقاذ المصرية، ولنا أن نفكر في عدد الافراد الذين كان يعولهم كل واحد من الغرقي، وكم طفلا يتيما وكم امرأة ترملت وكم اسرة خيم الحزن عليها، والفاجعة ان صاحب العبارة ونجله "الهاربان" تم تحويلهما الي محكمة الجنح باعتبار ان الكارثة واقعة قتل خطأ وبالطبع فالعقوبة معروفة مسبقا عشر سنوات في احلك الظروف، والفاجعة الاكبر ان من يمكن الحكم عليه يتمتع بحريته في وسط العاصمة البريطانية لندن، والمحاكمة ستجري علي الغائب وكأنه يخرج للشعب المصري لسانه. أما قضية المبيدات المسرطنة والتي اكدت معامل الابحاث انها مضرة بالصحة العامة، واكدت العديد من دراسات منظمات حقوق الانسان انها اودت بحياة الكثير من المصريين واصابة ملايين آخرين بالفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي وغيرهما من الامراض الخطيرة ورغم كل ذلك فان المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد بل ان هؤلاء المضارين من المبيدات اصبحوا في الغالب عالة علي المجتمع يحملون الدولة نفقات علاج وتأمينا اجتماعيا وفي الوقت نفسه تنخفض نسبة مساهمتهم في الانتاج القومي للبلاد ليعود الوطن يدفع الثمن مضاعفا فكل ذلك يؤثر سلبا علي فرص التنمية والتقدم، وللعجب انه لا احد يسأل عن ذلك، وحتي عندما تحول المسئول الثاني في وزارة الزراعة يوسف عبدالرحمن للمحاكمة وحكم عليه بالسجن 15 سنة فان الحكم كان لتقاضيه رشوة وليس لدوره في ادخال السموم للبلد. ومنذ عدة اشهر احترقت اجساد اكثر من 30 مصريا من خيرة فناني المسرح الشبان والمخرجين والنقاد داخل محرقة مسرح بني سويف ودفعوا حياتهم نتيجة اهمال الحكومة الواضح في تأمين منشآتها وماتوا محترقين لعدم وجود طفايات حريق داخل المسرح الذي اكتظ بهم وحتي من كتب لهم النجاة من المحرقة وخرجوا وبهم انفاس منهم من مات ومنا من عاش بحروق في جسده نتيجة اهمال الحكومة في حقهم مرة اخري داخل المستشفيات.. وبعد كل ذلك يكون العقاب الحبس عشر سنوات للمتهم الاول في الحادث بعد اعتبار الكارثة قتلا خطأ وتوصيفها كجنحة. ولايزال الجميع يذكر آلاف المصريين الذين اختلف الناس ومنظمات حقوق الانسان في عددهم هل هم ثلاثة آلاف ام اربعة ام اكثر رغم ان الحكومة قدرت عددهم باكثر من 300 مواطن وهؤلاء الضحايا احترقوا داخل عربات قطار الصعيد وهم ذاهبون لقضاء اجازة العيد مع اهاليهم ومعهم ما استطاعوا جمعه من قروش قليلة من عملهم في القاهرة، واحترقت معهم حقائبهم المتهالكة.. ماتوا بفقرهم داخل قطار الدرجة الثالثة لانه لم يستطيع احد منهم ان يشتري تذكرة في القطار الفاخر ولان كلا منهم وفر قروشه القليلة لشراء مستلزمات العيد، فاحترقوا واحترقت معهم قلوب المصريين وانطفأت انوار العيد في شوارع وبيوت الصعيد واشتاق ملايين المصريين الي رؤية العدالة واقرار القانون والحصول علي حقوقهم وحقوق المجتمع الا ان آمالهم في العدالة ضاعت وضاعت معها هيبة الوطن عندما حصل جميع من تم اتهامهم في الكارثة علي البراءة وبالطبع فانهم جميعا من صغار الموظفين ولم يطل التحقيق اي مسئول كبير رغم ان الكبار هم المسئولون بالفعل. ولم تتوقف الكوارث والاهمال عند حياة المواطنين الكبار بل وصلت لزهور المجتمع من اطفالنا فقد لقي 19 طفلا مصرعهم واصيب عشرات آخرون في اربع حوادث نتيجة للاهمال اولها عندما توفت فتاة واصيب 113 فتاة في حادث انقلاب السيارة التي تقلهن لجني محصول اللب بمركز بدر محافظة البحيرة والحادث الثاني توفيت فيها فتاتان واصيبت 22 آخريات عندما صدم قطار السيارة التي كانت تقلهن لجني محصول المشمش بالدلنجات والحادث الثالث توفي فيه 5 اطفال واصيب عشرات اخرون وهم ذاهبون لجني محصول الفراولة وعندما صدم قطار متجه من الصالحية الي الزقازيق السيارة التي تقلهم والاخير انقلب جرار زراعي يقل اطفالا ببني سويف في مصرف ليغرق 11 طفلا ويصاب اربعة آخرون، وكل هذه الحوادث ايضا تحول الي جنحة وليس جناية علي اساس انه قتل عن طريق الخطأ. اثارت هذه الحوادث وملابساتها اسئلة عديدة حول كيفية تكييف وتوصيف القضايا ما بين جنحة وجناية؟ وحول المعايير التي تنظم ذلك؟ ومدي سلطة النيابة العامة في تقدير ذلك؟ كما اثارت تساؤلات حول القوانين المصرية وما اذا كانت بها ثغرات؟ وتحتاج الي تعديل؟ واخيرا هل اصلاح الاخطاء او الثغرات القانونية إن وجدت سيحل الازمة؟ ام ان الامر اكبر من ذلك وله علاقة بالدستور أو السياسة العامة للدولة؟