من الحقائق المقررة التي يسهل حولها الجدل أن ثمة نسيجا واحداً جمع أبناء هذا الوطن علي مدار حركة التاريخ منذ فتح عمرو بن العاص مصر فرأت من صور الأمان والعهود والعدل في المعاملة ما جعل جيش القائد يتضاعف علي مدار رحلته من الفسطاط إلي الاسكندرية. ومن الحقائق التاريخية في الأمة أن ثمة محاولات فاشلة حاولت ارتداء عباءة الأديان والمذاهب.. والدين والمذهب منها براء!! علي نحو ما فعل ثوار (الزنج) وثوار (القرامطة) في القرن الرابع الهجري تحت التشيع المزعوم لهم.. ووقتها ظهر لكل منهم أتباع ومريدون يسبحون بحمده، ويفسدون في الأرض تحت لوائه، وارتكبوا من جرائم القتل والسرقة والتخريب والتدمير والإثم مالا يقره دين، ولا يرتضيه مذهب، ولا تقبله فطرة علي غرار ما حدث من إحراق مدينة البصرة علي أيدي الزنج، ثم ما حدث من قتل حجاج بيت الله الحرام علي أيدي القرامطة، وهو ما أوجزه علي مستوي المعتقد عبدالله بن المعتز في تصويره لصاحب الزنج وأتباعه في مزدوجته التاريخية. وصاحب قوما كالحمير جهله.. وكل شيء يدعيه فهو له.. والحق أن الرجل وأتباعه كانوا كذلك، حيث ادعي أنه يوحي إليه بأن الارض يرثها أتباعه من (الزنوج) بدلا من (الأحرار)، فاستغل الرجل سذاجة أتباعه بقدر ما استغله من حاجاتهم الاقتصادية، فاندفعوا يحرقون المدينة ويسترقون الأحرار والحرائر حتي أصبح لدي الزنجي من العلويات أعداد علي سبيل الاسترقاق في ظل الإرهاب والفوضي!! ثم بدت حركة القرامطة علي نفس المنهج من مخادعة القوم، وإقناع السفهاء وما أكثرهم بالانضمام إلي صاحبها قرمط (المعلم السري) الذي أقنعهم بأنه يوحي إليه بتغيير الأذان، والتوجه إلي المسجد الأقصي بدلا من البيت الحرام، وأن الصلاة (ركعتان) فقط في الصباح وأخريان في المساء، وأن الصوم لا يجوز إلا في يومين فقط هما (النيروز) و(المهرجان) الأعياد الفارسية وأن أموال الحجيج حق خالص لهم، فقطعوا عليهم الطرق، وقتلوهم حتي في بئر زمزم، وكان موقف زعيمهم يتحدي ربه هاتفا: أنا بالله ولله أنا.. يخلق الخلق وأفنيهم أنا. إلي غير ذلك من افتراءات تعلقت بانتزاع أستار الكعبة، وسرقة ما بداخلها من تحف وهدايا الخلفاء إلي محاولة نقل الحجر الأسود إلي (هجر) حتي تدخل والي مصر الفاطمي فأعادوه إلي مكانه بناء علي إنذار منه. شريط الأحداث يحكي الكثير من مشاهد الفتن التي ابتليت بها تلك الأمة الصابرة بكل وسطيتها وخيرها.. وسقطت الفتن، وانتهي تاريخ المفتونين، وبقيت الأمة صامدة بدينها الحق تصدع بالمعروف وتنهي عن المنكر، ومن المتوقع أن يكون المسلمون قد انزعجوا أمام حركة الزنج أو القرامطة بما نشروه من فوضي المعتقد، أو منطق الزنادقة والغواية إلي حد الارتداد عن ثوابت الأديان السماوية من الرسالات والأنبياء ومعجزاتهم الكبري ولكن هذا الانزعاج قد انتهي مع انتصار المسلمين علي المنشقين عن صفوف الحق، ممن ساروا علي منهج الأعراب الذين كانوا أشد كفرا ونفاقا، وأبعد عن احترام حدود الله، فتوعدهم الله بالدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيرا.. ويبدو لكل زمان (أعرابه) و(زنادقته) و(زنوجه) و(قرامطته)، علي غرار مجموعة الفتن التي تدفع بها قوي التآمر والشر علي الوطن تفتيتاً لوحدته التي انصهر فيها المسلمون مع أشقائهم المسيحيين في بوتقة واحدة لم تستجب يوما لقوي التدمير بقدر ما كشفته من دوافع خطط الطغاة، فزاد تماسك الهلال والصليب، وتعانق الإسلام مع النصرانية، وتجاور المسجد مع الكنيسة في وحدة لا تنفصم عراها ضمانتها الأساسية أن الدين لله والوطن للجميع بموجب العقد الإسلامي الذي رسخه الرسول صلي الله عليه وسلم في ست جمل صاغها في حجة الوداع (أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي فضل علي أعجمي إلا بالتقوي) وزكاها صريح النص القرآني الكريم (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..). ولكن الفتن الأخيرة قد تزاحمت في محاولة لتدمير صحيح الفكر وتشويهه بدءا من استغلال عقول الشباب وإفساد وجدانه من لدن عباد الشيطان، إلي عدم التحرج في المناداة بالمثلية، إلي مهاترات لاحصر لها حول إرضاع الكبير، أو النسبة إلي الأمهات، أو ادعاءات البهائية أو غيرها من قضايا مفتعلة يظل هدفها اثارة الفتن والقلاقل، وشغل الناس عن التفكير في قضايا الوطن أو مشكلات المستقبل أو التنمية بقدر ما يحققه المفتونون من أهداف لأعداء الأمة في تقسيمها وتفتيتها فكرياً ومذهبيا ليشغلوها عما يدور علي الساحة من احتلال الأرض أو المساس بالعرض أو انتهاك منظومة حقوق الإنسان أو غيرها من قضايا الانتماء والمواطنة واستيعاب ثورات العلم ومواكب المعرفة!! من واجب علمائنا أن يوحدوا صفوفهم في كتابات جامعة وواضحة حول طبيعة تلك الفتن الأخيرة التي يحاول بها المنشقون علي الوطن تنفيذ مؤامرات أعدائه، وهم يعيشون علي أرضه، ويستظلون بسمائه، ويتمتعون بخيراته في نفس الوقت الذي يمثلون فيه خطرا علي (وحدته) و(هويته) من خلال تفريطهم في عقائدهم، إلي ما يليها من تفريطهم في كيانهم وانتمائهم ووطنيتهم، وعندئذ يفتحون الأبواب لخصوم الأوطان وهواة الاحتلال لأن يفعلوا ما يشاءون، فليتقوا الله في مصر، وليقرأوا التاريخ حتي يعرفوا موقعهم من خريطة الفكر ومخالب الفتنة التي لا تحتملها الأمة، وليدركوا أن الأمة حفية بكشف حقائق التآمر وأبعاده، وأن الحق باق بطبعه والباطل زاهق لا محالة وما ينفع الناس سيمكث في الأرض بإذن الله نائب رئيس جامعة القاهرة