ابتسم حظ من تنبأ بقيام دولة إسرائيل، بنيامين زئيف هرتسل، وتقرر الاحتفال رسميا بالذكري السنوية لميلاده في العاشر من مايو. وتم التخطيط لإقامة مراسم احتفالية ورسمية تناسب المقام. وفي واحد منها سيلقي رئيس الحكومة، إيهود أولمرت كلمة يكرر فيها رؤياه المثيرة: "تقسيم البلاد حبل نجاة الصهيونية". ولدي أولمرت من يتعلم منهم فصولا في الصهيونية. فقبل يوم واحد من خطابه في الكنيست، اشتعلت حماسة أديب الفناء، أ.ب. يهوشع، ووجه بقسوة إلي يهود أمريكا قوله: "هويتي إسرائيلية، لا يهودية". عاد يهوشع إلي وثيقة استقلاله الخاصة: أن نكون شعبا طبيعيا. ونسي في الطريق أن يعرّف ما هو الشعب، لكن من الواضح له فوق كل شك، أن من يعيش فقط في دولة إسرائيل هو الذي يؤيد الصهيونية. هاجم يهوشع مضيفيه بقسوة (هناك في أمريكا): "يجب الاعتراف أولا بفشل القرن الماضي. فقد الشعب اليهودي ثلثه، لأنه لم يعِ إدراك الواقع. فشل الشعب اليهودي في الحفاظ علي حياة أبنائه. إن من يهتم باستمرار بقاء شعب إسرائيل هم الإسرائيليون الذين يعيشون في إسرائيل". جلست وحاولت هضم الأقوال الأخلاقية البائسة هذه، وتذكرت أقوالا نطق بها كاتبنا المجيد قبل عامين عن الموضوعات نفسها: الكارثة، والاستقلال، واليهودية وأشباه ذلك. في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" قال: "أفكر في الكارثة كل يوم. حان الوقت لنفهم أن عدم وضوح هويتنا هو الذي سبّب أن يوجه إلينا أفراد وجماعات ذوا فوضي في الهوية إسقاطات شديدة.. اعتقد أن أحد أسباب الهياج الحالي لمعاداة السامية هو حقيقة أن إسرائيل طمست حدودها. في اللحظة التي تصبح فيها إسرائيل غير واضحة تصيب اليهود بالجنون وتصيب معادي السامية بالجنون. إنها تسبب الجنون للعرب وللمسيحيين". هذا هو، يا إيهود أولمرت، لديك الآن إجازة رسمية من أنبياء الحقيقة الذين يصحبون الصهيونية منذ بداياتها. سنحدد حدود البلاد فقط. ونصوغها . وعندها، سنكف عن إصابة العالم كله بالجنون. لكن أولمرت، رئيس حكومتنا، سمع أقوال النبي حتي النهاية: "كنتيجة لازمة لذلك الشعور من الترفع الذاتي ومحاولة إظهار البّر غير المشروط، يأخذ في النشوء شعورا مضادا لاتهام ذاتي، ولمحاولة مشايعة العدو". هذا هو الوضع البائس للأدب الإسرائيلي (لا اليهودي)، الذي يلوح من كل صوب ومن كل زاوية أدبية. يعيد الأدباء كتابة ما في جعبتهم مما مُضغ حتي التقزز في مجلدات مُغرية، ويضعون عند مدخل الثقافة الإسرائيلية وصفة مكتوبة للهدم الذاتي والكراهية الذاتية، ولمشايعة العدو وتفهمه، وفي الأساس، للإخلال بأسس العدل والأخلاق اليهودية. حيث تجد أن سير الصهيونية قد ركد أو توقف، ولن نقول تراجع القهقري، نما أدباء ما بعد الصهيونية. لقد حركوا عجلات ثورة المؤرخين الجدد، وزرعوا الأمل بين المثقفين العرب بأنه قد انقضي عصر الصهيونية. أخمد أدب الفناء لهب مواجهة العبء الثقيل للتاريخ اليهودي. تعرض خريجو جهاز التربية الإسرائيلي لوجه واحد في الأكثر من فسيفساء وجه الثقافة اليهودية. وهو شيء لا يمنع سماسرة الثقافة من الثناء بعروض عابثة عن شعب الكتاب. من ذا يزيل التراب عن عينيك، أيها المتنبئ بالدولة؟ أهذه هي "دولة اليهود" التي حلمت بها وكتبت عنها؟"