وعندما بلغ الاندفاع بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حداً جعله يدلي بتصريح يقول فيه: " إن إسرائيل يجب أن تزول من الخريطة".. فإن رد فعل جزء كبير من العالم الغربي علي ذلك كان مزيجاً من "الصدمة والرعب" وذلك علي الرغم من أن ذلك العالم يعرف جيداً أن إيران لا تمتلك الإمكانيات ولا القدرات ولا الدوافع الانتحارية، بل وعلي الأرجح، لا تمتلك الرغبة في ترجمة هذا التهديد إلي فعل. علي النقيض من ذلك، وفي مثال آخر علي ازدواجية المعايير الغربية، فإنه عندما قام السياسي الإسرائيلي المخضرم "شمعون بيريز" بالرد علي تصريح نجاد بالقول إن إيران إن أقدمت علي ذلك، فإن إسرائيل ستدمرها، فإن أحداً لم يسمع صيحة غضب واحدة من دول الغرب، علي الرغم من أن القدرات النووية الهائلة لإسرائيل معروفة جيداً بالنسبة له. إن الحقيقة المجردة هي أن إسرائيل تتوافر لها القدرة علي محو إيران من الخريطة، في حين أن إيران لا تتوافر لديها مثل هذه القدرة. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن "بيريز" نفسه عندما كان يشغل منصب السكرتير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية عام 1950، لعب دوراً رئيسياً في حصول بلاده علي الأسلحة النووية. وأياً ما كان الأمر، فإن بعض المتشائمين سيذهبون إلي القول إن الحرب بين الولاياتالمتحدةوإيران قد بدأت بالفعل، بل وسيستشهدون علي ذلك بما يتردد من أن هناك فرقاً تابعة للقوات الخاصة الأمريكية قد تسللت إلي داخل إيران لتحديد الأهداف التي سيتم ضربها، والإعداد لتنفيذ عمليات تخريب. وفي مقابل ذلك أعلنت إيران أن هناك العشرات إن لم يكن المئات من المفجرين الانتحاريين قد أصبحوا جاهزين الآن، للقيام بعمليات ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية إذا ما تعرضت إيران للهجوم. وعلي النقيض من قعقعة السلاح في المعسكرين، نجد أن هناك جوقة يتزايد عددها تدريجياً في الولاياتالمتحدة، تحث واشنطن علي الدخول في مفاوضات طويلة الأمد مع إيران تغطي جميع جوانب علاقتهما التي تجمدت بسبب العداء المستحكم القائم بينهما منذ سبعة وعشرين عاماً. وفي الأيام الأخيرة ترددت العديد من الدعوات لإجراء حوار بين الولاياتالمتحدةوإيران من شخصيات مختلفة جد الاختلاف داخل المؤسسة الأمريكية من "سام بيرجر" إلي الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" ومستشار الرئيس كارتر للأمن القومي "زبيجنيو بيرجينسكي "، ومن "باتريك جيه بوكانون" وهو كاتب عمود كبير ينتمي إلي المحافظين، إلي "جورج بيركوفيتش" نائب رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بالإضافة إلي شخصيات أخري غيرهم. وكون هذه الدعوات تصدر عن هذه النوعية من الرجال الذي لا يعرف عن معظمها أنهم من دعاة السلام، يعتبر هذا في حد ذاته دليلاً علي أنهم يعرفون أن إقدام أمريكا علي شن حرب علي إيران سيكون عملاً من أعمال الحماقة البالغة. ليس هذا فحسب، بل إن بريجينسكي ذهب إلي حد التنبؤ بأن إقدام أمريكا علي مثل هذه الحماقة سيؤذن بانتهاء دورها العالمي. هذا هو السياق الذي اختار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن يكتب فيه رسالته إلي الرئيس جورج دبليو بوش، والتي تعتبر من أكثر المبادرات إثارة للدهشة في حوليات الدبلوماسية. إن الملاحظة الأولي، التي يمكن إيرادها بشأن رسالة أحمدي نجاد لبوش هي أنها ليست مصوغة بذلك الأسلوب الدبلوماسي والسياسي المعتاد. وهي إلي جانب ذلك ليست رسالة صِدامية، ولا هي دعوة للحرب. إنها رسالة تدور حول الأسلحة سواء كانت نووية أم غير ذلك، كما تدور حول الاختلافات السياسية بين البلدين كما تضم عرضاً موجزاً للشكاوي الإيرانية التاريخية من الولاياتالمتحدة مثل الإطاحة بالدكتور محمد مصدق بواسطة انقلاب مدعوم أمريكياً عام 1953. والدعم الأمريكي لصدام في حرب السنوات الثماني التي جرت بينه وبين إيران في ثمانينيات القرن الماضي. وإسقاط طائرة ركاب إيرانية، وتجميد الأصول والأموال الإيرانية في الولاياتالمتحدة، والمحاولة الحالية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة للحيلولة دون ما تعتبره طهران تقدماً علمياً إيرانياً. ولكن التحدي الحقيقي الذي يواجه به أحمدي نجاد بوش هو تحدٍّ علي مستوي القيم والأخلاقيات السياسية. فأحمدي نجاد يلتمس من بوش باعتباره مسيحياً قد "ولد من جديد" أن يمارس المبادئ التي يدعي أنه يؤمن بها. كتب أحمدي نجاد في رسالته يقول: "إن كل الأنبياء وعلي وجه التحديد موسي وعيسي ومحمد قد نادوا بالسلام والطمأنينة للبشر ... وطالما أن الأمر كذلك يا سيدي الرئيس.. ألا تشاركني اعتقادي بأننا إذا ما قمنا جميعاً بالإيمان والالتزام بالمبادئ التالية وهي: الإيمان بإله واحد، وعبادته، واحترام كرامة الإنسان، والإيمان باليوم الآخر، فإننا نستطيع أن نتغلب علي المشكلات الحالية التي تواجه العالم... ألا تقبل هذه الدعوة مني يا سيادة الرئيس. ليس هناك ما يدعو للعجب أن تثير رسالة نجاد الحيرة بل والفزع بين مستشاري بوش وزملائه الذين اعتادوا علي الحديث بلغة القوة أكثر من اعتيادهم علي الحديث بلغة الفلسفة. "عن وجهات نظر"