تقوم الولاياتالمتحدةوإيران في الوقت الراهن بأداء دورين مبرمجين في رقصة كلاسيكية يدور موضوعها حول مسألة الأسلحة النووية. فالولاياتالمتحدة تدفع مجلس الأمن الدولي كي يقوم بتحذير إيران بشأن عواقب الاستمرار في برنامجها النووي، في نفس الوقت الذي تواصل فيه إيران سيرها نحو تطوير قوتها النووية غير عابئة بقرارات الأممالمتحدة. ومع إصرار الروس والصينيين -كما يبدو- علي تعطيل العقوبات، فإن المحتم هو أن يؤدي ذلك إلي بطء السرعة التي ستتطور بها جهودنا في الأممالمتحدة، في نفس الوقت الذي ستواصل إيران تقدمها نحو تنفيذ خططها. وإذا ما واصلنا السير علي نفس هذا الطريق، فإننا سنجد أنه لم يعد متبقياً أمامنا سوي خيارين: القبول بحقيقة امتلاك إيران لقدرة نووية، أو القيام بعمل عسكري لضرب طموحها في هذا المجال. ومحصلة كل من الخيارين يمكن أن تكون كارثية. فإذا ما نجحت إيران في مسعاها، فإننا سنواجه أمامنا -في أغلب الاحتمالات- شرقاً أوسط نووياً. فالسعوديون الذين يخشون إيران المسلحة نووياً، والمصممة علي فرض إرادتها علي الآخرين، وتشجيع الوجود الشيعي في شبه الجزيرة العربية، يفترض أنهم سيسعون إلي الحصول علي قدرات نووية في المقابل. وإذا ما تم ذلك فعلينا ألا نتوقع أن تقنع مصر بأن تكون السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك "رادعاً" نووياً أيضاً، وهكذا تباعاً إلي بقية دول المنطقة. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يعتقدون أن قواعد الردع النووي التي حكمت العلاقة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق خلال الحرب الباردة، ستنطبق علي الشرق الأوسط النووي، فإنني أقول لهم: لا تكونوا واثقين إلي هذا الحد. فمن ناحية سيؤدي عدد الدول التي يمكن أن تحصل علي القدرات النووية إلي زيادة احتمالات سوء الحساب، ومن ناحية أخري، فإن التصريحات الإيرانية المتشددة لا تترك مجالا لأي أحد كي يطمئن للاعتقاد بأن إيران ستتصرف بأفضل طريقة. بيد أن البديل الخاص باستخدام القوة لمنع الإيرانيين من التحول إلي قوة نووية لا يبدو كذلك أفضل كثيراً. ولشرح ذلك نبدأ بالقول إنه لا توجد هناك خيارات عسكرية بسيطة ونظيفة. فالقيام بشن ضربات جوية، قد يتضمن قصف مئات الأهداف التي يقع الكثير منها في مناطق مأهولة بالسكان. وهنا يجب أن نضع في حسابنا، أننا كلما أوقعنا خسائر أكثر بالإيرانيين، كلما أججنا نيران الغضب أكثر لدي الرأي العام. ربما نتمكن من تدبير أمر رد الفعل، إذا ما أدت الحملة العسكرية إلي إيقاع خسائر ضئيلة نسبياً، ونجحت في إعادة البرنامج النووي الإيراني إلي الوراء.. ولكن هذا السيناريو الوردي يفترض أن قدرة إيران علي الرد والانتقام ستكون محدودة نسبياً. ويجب أن نعرف هنا أنه حتي لو كانت لدينا القدرات التي يمكن أن تحول بين الإيرانيين وبين تعطيل حركة الملاحة في الخليج العربي، فإن إيران لديها أيضاً خيارات أخري لتحويل أية محاولة لتعطيل قدراتها النووية إلي حرب أوسع نطاقاً. فالإيرانيون يستطيعون مثلا التحريض علي شن المزيد من الهجمات من قبل المتمردين علي قواتنا في العراق وإشعال النار تحت أقدامنا هناك. ولكي نقوم بقطع الدعم علي مثل هذه الهجمات، فإننا قد نضطر إلي القيام بعمليات عسكرية عبر الحدود، والتوغل علي الأرض داخل إيران نفسها. وحينها قد تدرك إيران أن تصعيد الصراع مع الولاياتالمتحدة مسألة في غاية الخطورة، ولكن وبعد أن قمنا بالتقليل من شأن المخاطر التي واجهناها في العراق، هل يمكننا أن نكون واثقين للغاية حول ما قد يقوم به الإيرانيون، في المقابل. ألا يجدر بنا في مثل هذه الحالة أن نبحث عن مسار آخر؟ بالطبع.. ولكن يجب أن نعرف أن التحدي الذي سنواجهه هو تغيير الحسابات الإيرانية. فإيران يجب أن تدرك إما أنها تخسر أكثر مما تكسب، عندما تسعي للحصول علي سلاح نووي، أو أنها ستكسب أكثر مما ستخسر، إذا ما تخلت عن برنامجها. ولكن ماذا عن قيامنا بالتهديد بفرض عقوبات جماعية يمكن للإيرانيين أن يروها موجعة لهم؟ وماذا سيحدث إذا ما كان التهديد بفرض تلك العقوبات مصحوباً بقيامنا -بالتعاون مع الأوروبيين- بعرض مكاسب ممكنة علي الإيرانيين بمعني عقد صفقة معهم بشأن الطاقة النووية، ومنحهم منافع اقتصادية، وتفاهمات أمنية في مقابل التخلي عن برنامجهم النووي؟. لقد كان الأوروبيون يريدون دائماً أن يشارك الأمريكيون معهم في المباحثات مع نظام طهران. وفي رأيي أنه ليس هناك ما يمنع من القيام بذلك الآن بشرط الاتفاق أولاً علي نوعية العقوبات التي سيتم فرضها علي الإيرانيين إذا لم تنجح تلك المفاوضات. ويجب في هذا السياق أن نفهم أن العقوبات إذا ما فرضت علي إيران فإنها لن تكون موجعة لها أو بقدرتها علي الحصول علي الأموال فقط، ولكنها ستؤدي أيضا إلي رفع أسعار النفط. هناك نقطة أخري ينبغي علينا وضعها في الحسبان، وهي أنه ليس هناك ما يضمن أن هذا النهج مع التعامل سينجح مع إيران، خصوصا إذا ما كانت الحكومة الإيرانية الحالية مصممة علي الحصول علي أسلحة نووية. وإذا ما كان الأمر كذلك، وكان الرئيس بوش من جانبه مصمماً علي الحيلولة بينهم وبين الحصول علي السلاح النووي -كما قال- فإنه سيكون أفضل لنا كثيراً في هذه الحالة أن نكون قد جربنا أولاً السعي إلي خيار المفاوضات المباشرة مع إيران، قبل أن نلجأ إلي استخدام القوة.. وهو استخدام سيكون بالتأكيد صعباً ومعقداً.