أثار شجوني ردود الفعل الإيجابية من لدن المتدربين الأجانب حين شرفت بإلقاء محاضرة عليهم حول حوار الحضارات وقراءة المشترك الإنساني، والتي تحولت في جزء كبير منها إلي حوار حقيقي في الإجابة عن تساؤلاتهم الحائرة حول تاريخ حضارتنا العربية وريادتها، وكذا حول غيبة تلك الريادة وتحليل واقعها والرؤي المستقبلية حولها. والحق أن التساؤلات بدت عميقة عمق الموضوع، وبدت متعددة تعدد الجنسيات المتسائلة من جمهوريات ملدوفا وأرمينيا والبوسنة. ومتباينة تباين علاقتهم بلغتنا العربية بين أساتذة وطلاب دراسات عليا وطلاب جامعات. وبدا هذا التباين صالحا لخلق أرضية مشتركة وواسعة بقدر ما تحتمله القضية من حوار مشترك وإفساح المجال لقبول الآخر، مع احترام مساحات الاختلاف والتعددية دون استخفاف برأي أو عصف برؤية أو سخرية من موقف. بدت تساؤلات الأجانب دالة علي تعطشهم لفهم الحقائق حول مفاهيم الحرية في الإسلام ومستويات الحوار وطبيعة التفكير والتعبير قدر حاجتهم إلي استجلاء دور المرأة في تاريخ الفكر الإسلامي بالإضافة إلي منظومة حقوق الإنسان. ومن ثم تطلب الأمر تجاوز الاستثناء بمحاضرة واحدة في هذا السياق إلي وجوب استدعاء نخبة من كبار الأساتذة والمفكرين من باب تقدير التخصص وترسيخ المعلومات من مصادر ومرجعيتها الآمنة تقديرا لأبواب الاجتهاد وآلياته وتداعياته من خلال رموزه، فكانت اللقاءات المقترحة لهم مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ثم لقاءات أخري مع وكيل الأزهر الأسبق ونائب رئيس الجامعة الأسبق، ثم لقاء مع عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر وآخر مع عميدة نفس الكلية بجامعة قناة السويس، وهكذا اتسعت رقعة العطاء الفكري من هذا المنظور الحضاري الذي أثار في الدارسين الكثير من صور الدهشة والانبهار بكل ما سمعوه وما تناقشوا حوله من القضايا والمفاهيم التي جعلتهم يتحولون علي حد تصويرهم إلي سفراء لمصر في بلادهم بين طلابهم وجماعاتهم بحكم ما عاشوه من العمق المعرفي حول أصول التبادل الحضاري بين منظومة القيم المادية والفكرية والوجدانية إلي جانب ما ثقفوه رواد الفكر العربي في ظلال حركة الترجمة والبعثات ومدي ما أصاب المنطقة العربية من جراء المطامع الاستعمارية والهجمات الشرسة التي أوقفت تيارات التنمية ومسار العلم والمعرفة، حيث انصرفت إلي ثورات التحرر وحركات إجلاء المستعمر مما كان له أثر كبير في إيقاف ريادة الثقافة العربية مؤقتا بما يحتاج استعادة تاريخها بعيدا عن الاستعلاء أو التماهي مع الآخر، ووقوفا عند عدة ثقافات مهمة في هذه المرحلة بدءا من ثقافة الثقة بالذات وبالأمة وما يبني عليها من تأصيل ثقافة المواطنة والانتماء ممزوجة بالتطوع والعطاء، وكلها معان إنسانية لها سموها ومعناها بما يحتاج تعريف الآخر بنا علي هذا النحو المتحضر من معاني الأخوة والتسامح والصفح والاحترام بعيدا عن منطق التعصب والانغلاق والتشدد والتطرف الذي أذيع عنا ظلما وبهتانا. والحق أن في تاريخ ثقافتنا من سبل الحوار ما يعني عن الدفاع عنها منذ أسس الرشيد دار الحكمة في بغداد موزعة بين قسمين يعكسان مفهوما راقيا للحوار الحضاري بين علوم الأوائل وقلم الترجمة، فكان الأول هادفا إلي التأصيل والتأسيس المنهجي للعلوم والمعارف العربية، وبدا قلم الترجمة بمثابة النافذة الحضارية علي علوم الآخر أخذا وعطاء، تأثرا وتأثير بما يحكي جدلية الثقافة العربية والإسلامية التي تحمل في مسماها ضمانات مشاركات كل الأديان والمذاهب تحت مسمي "العربية"، ثم مشاركات كل الجنسيات والشعوب تحت مسمي الإسلامية، مما انتهي بها إلي أن تكون إنسانية بالمعني الحقيقي لمفهوم الإنسان. مثل هذه المفاهيم والقضايا بات طرحها علي الوفود الأجنبية مطلبا عصريا يرقي إلي حد الضرورة، ورسالة قومية ترتفع إلي الواجب بدلا من محاولات تهميش ثقافتنا أو التقليل من شأنها تحت مفاهيم مغلوطة ونوايا حاقدة أو تهريج رخيص علي حساب مقدراتها وعطاءاتها التي علمت الإنسان في فترة رقيها وازدهارها كيف يكون إنسانا بكل ما للكلمة من معيارية الصدق والدقة وأمانة المرجعية.