حاول العسكريون الأمريكيون تحميل رؤسائهم المدنيين مسئولية سقوط "سايجون". فلو لم تكن ثمة تضييقات سياسية لكانت الولاياتالمتحدة فازت في الحرب... هكذا كتب العقيد الراحل "هاري سامارز" في كتابه الشهير "حول الاستراتيجية: حرب فيتنام في السياق" الصادر عام 1981، والحال أن أقل ما يمكن قوله في حق ذلك الكتاب هو أنه تبسيط وتسطيح مبالغ فيه. فكما أبرز الرائد حينها "أندرو كريبينفيتش" في كتاب "الجيش وفيتنام" (1986) يمكن أن نعزو هزيمة الولاياتالمتحدة إلي استراتيجية القوة النارية المكثفة غير المناسبة التي كان يعتمدها الجيش. كما أشار "كريبينفيتش" إلي أنه في حال أراد الجنرالات معرفة علي من يقع اللوم، فيتعين عليهم النظر إلي المرآة. والواقع أن كثيرين يوافقون علي تحليله اليوم، والحقيقة أننا الآن في المراحل الأولي لأسطورة أخري يصطف فيها العسكريون لينحوا باللائمة علي رؤسائهم المدنيين وليحملوهم مسئولية الانتكاسات التي نعانيها في العراق، حيث دعا ستة جنرالات متقاعدين في الأسابيع القليلة الماضية إلي استقالة وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد". والحقيقة أنني أتفق مع نصيحتهم. وكما أعربت عن ذلك منذ سنتين، أعتقد بدوري أنه علي "رامسفيلد" أن يرحل. غير أنني منزعج من ثورة الجنرالات، والتي تطرح العديد من الأسئلة حول الإشراف المدني علي القوات المسلحة. ذلك أنه يفترض في نظامنا أن وزراء الدفاع هم من يقيلون الجنرالات، وليس العكس. يعلل الجنرالات المتقاعدون، الذين يقولون إنهم يتحدثون نيابة عن زملائهم الذين ما يزالون علي رأس عملهم، انتفاضتهم بأمرين اثنين، يتمثل أولهما في كون الكثيرين يقولون إنه لم يكن علينا الذهاب إلي العراق أصلاً، حيث يسميها الجنرال السابق جريج نيوبولد "الحرب غير الضرورية"، فيما يري الجنرال السابق أنتوني زيني أن "سياسة الاحتواء كانت ناجحة جدا". والواقع أن ذلك حكم غير أكيد، كما أنه حكم لا يجدر بالجنرالات إصداره لأنهم غير مؤهلين لذلك، فهم خبراء في كيفية خوض الحرب، وليس متي يتم خوضها. ولو عملنا بنصائحهم، لما كنا ذهبنا إلي الكويت أو البوسنة أو كوسوفو. أما الأمر الثاني، فيتعلق بالكيفية التي تم بها خوض الحرب. ومما لاشك فيه أن الرئيس وكبار مساعديه أخطأوا حينما لم يرسلوا أعدادا كافية من الجنود ولم يرسموا مخططات احتلال كافية. ولكن ماذا عن أخطاء الجنرالات؟ حين الاستماع إلي انتقادات الجنرالات المتقاعدين، يبدو أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبوه هم وزملاؤهم هو أنهم لم يجهروا بتحديهم لرامسفيلد. إلا أن تلك ليست الصورة التي يقدمها أفضل كتاب صدر حتي الآن عن غزو العراق "كوبرا 2" الذي اشترك في كتابته الصحفي المخضرم "مايكل غوردن" والجنرال المتقاعد "بيرنارد ترنار"، اللذان قدما فيه ما يكفي من الأدلة علي إدارة "رامسفيلد" غير الموفقة. ولكنهما أظهرا فيه أيضاً أن الجنرال "تومي فرانكس"، كبير القادة العسكريين، ارتكب أخطاء كبيرة بدوره. وورد في الكتاب أن "تومي فرانكس لم يعترف أبدا بالعدو الذي كان يواجهه، كما لم يفهم طبيعة الحرب التي كان يقودها". لقد كان مُركزاً علي التغلب علي القوات المسلحة العراقية إلي درجة أنه غض الطرف عن التهديد الذي كان يطرحه المقاتلون غير النظاميون ك"فدائيي صدام". وبعد سقوط بغداد، كان "فرانكس" سعيداً بإعلان النصر والتقاعد، غير واعٍ بأن العمل الحقيقي قد بدأ للتو. ورغم أن بعض الجنرالات مثل "إيريك شينزيكي" شددوا، عن حق، علي ضرورة إرسال المزيد من القوات لفرض النظام في العراق، كان "فرانكس" يتطلع إلي سحب الوحدات العسكرية بمجرد وصولها إلي بغداد. ومن بين أخطاء "فرانكس" كذلك قراره المفاجئ سحب كبار القادة الميدانيين الذي قاموا بالغزو واستبدالهم بمجموعة جديدة يقودها الجنرال "ريكاردو سانشيز" الذي لم يكن في مستوي المهمة الموكلة إليه. حيث لم يقم "سانشيز"، وسط أجواء الارتباك التي نتجت عن تغيير القيادة، بإعادة تنظيم القوات الأمريكية علي النحو المطلوب لمواجهة أعمال التمرد ومتطلبات إعادة الإعمار. وكما قال الجنرال المتقاعد "جاك كين"، وهو ليس ممن يطالبون برأس رامسفيلد، لصحيفة "نيويورك تايمز": "هناك مسؤولية مشتركة، ولا أعتقد أنه ينبغي توجيه اللوم إلي الزعامة المدنية لوحدها". والحال أن ذلك بالضبط ما يسعي بعض من زملائه السابقين للقيام به اليوم.