أثارت أحداث الفتنة الطائفية التي شهدتها مصر خلال الفترة السابقة، ومن ظهر من حالة احتقان وتعصب واضح بين الشباب مسلمين وأقباطا علي حد سواء، عدة تساؤلات حول دور منظمات المجتمع المدني في مثل هذه الأمور، ولماذا لا تقوم بنشاطات طويلة الأمد ومتواصلة بين الشباب لنزع فتيل التعصب به ونشر ثقافة قبول الآخر. النشطاء في المجتمع المدني لم ينفوا تقصيرهم في هذا الشأن. أكدوا أن ذلك سببه قلة عدد المنظمات العاملة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن نقص الخبرة لدي العاملين في المجتمع المدني بكيفية التعامل مع هذه الأمور. كما أرجعوا السبب الأكبر لزيادة أحداث الفتنة إلي تقصير الدولة في التصدي لهذا الملف والتعامل معه من جانبها، دون النظر إلي جميع الجوانب. كما حملوا الإعلام المسئولية أيضا، واختلفوا حول مدي تعلق التعصب الديني بالثقافة السائدة في المجتمع المصري. يقول محمود مرتضي مدير مركز دراسات التنمية البديلة إن الفاعلين والناشطين في مجال العمل الاجتماعي والتنمية لابد أن لديهم اعتقادا بأن الاشتباك مع هذه الأحداث يمثل عملا سياسيا مباشرا، ثانيا: أنه حتي الآن لم توضع أجندة عن الجمعيات الأهلية فيما يخص قضايا المواطنة وقضايا الاحتقان الديني، ثالثا: مازال معظم الناشطين في مجال الجمعيات الأهلية غير مؤهلين وغير مدربين للعمل في مثل هذه الموضوعات. ويقول جوهر: الموضوع أن العاملين في هذه الجمعيات لديهم خوف من الخوض في هذه المسائل، لأنها تثير مشاكل، بالإضافة إلي أنه بين الجمهور المصري وقياداته لا توجد ثقافة التسامح وقبول الآخر. ويضيف أن الأحداث الأخيرة تنبئ بأحداث أقوي ستقع مستقبلا وهذا يلقي بالمسئوية السياسية والاجتماعية علي جميع قطاعات المجتمع المصري خاصة المنظمات الأهلية التي يجب أن تلعب دورا مباشرا في هذا الشأن، وأن تنظم أنشطة تهتم بنبذ العنف والتمييز الطائفي الديني، وعليها أن تعمل وسط الشباب ونشر مبادئ حقوق الإنسان بينهم. ويري أن النظام يلعب دورا كبيرا في حدوث هذه الأزمات ويلعب دورا تأخيريا في هذه القضية، ويقول إن النظام يتعمد عدم حل أزمات كثيرة تتعلق بالأقباط، فليس مفهوما حتي الآن لماذا لا يصدر قانون موحد ينظم بناء دور العبادة، ولماذا لا يغير النظام الخطاب الإعلامي ونفس الأمر فيما يتعلق بالمناهج الدراسية والسماح بوجود كتب تباع علي الأرصفة تسيء للأديان الأخري، ويري أن ذلك هو السبب الأساسي والكبير وراء اشتعال الفتنة الطائفية، وأنه بدون تدخل قوي وحاسم من النظام المصري لوضع حلول جذرية لهذه المسألة فإن الأمور ستأخذ في التصاعد بشكل دائم، وستصبح الأزمة خارج نطاق السيطرة. وتري نهاد أبو القمصان مدير المركز المصري لحقوق المرأة أن قضية الاحتقان الديني والفتنة الطائفية هي قضية دولة بالأساس، وليست قضية مجتمع مدني، وأنها قضية سياسية وليست أزمة ثقافة مجتمعية، وتقول إن المشكلة الرئيسية ليست في أن المجتمع المدني يعمل علي هذه القضايا أم لا وإنما في أن الدولة حولت هذا الملف إلي ملف أمني وتتعامل معه بطريقة أمنية فقط دون النظر إلي باقي جوانبه. وتقول نهاد: إن ما يزيد الأمور اشتعالا أن كل ما يتعلق بالمسلمين والأقباط يحول إلي أمن الدولة، لدرجة أنني كامرأة مسلمة أخاف أن يلعب ابني مع نظيره القبطي لأنه لو حدثت بينهما أية مشكلة سيتم تحويلهما إلي أمن الدولة، وكأن ذلك هو الحل. وتتهم "نهاد" الحكومة بأنها تتعمد استمرار المشكلة وزيادة حدتها، وتقول علي الدولة أن تتخذ خطوات جادة في هذا الشأن وعليها أن تفتح ملف الاحتقان الديني علي أنه مسألة سياسية وليست أمنية. وتشير إلي أن منظمات المجتمع المدني تقوم بنشاطات في هذا الشأن، إلا أن ذلك لابد أن يكون ضمنيا داخل الأنشطة العامة لها وليس بصورة مباشرة كي لا يأتي بنتائج عكسية. ويقسم ناصر أمين منظمات المجتمع المدني إلي نوعين الأول المنظمات الدفاعية والثاني المنظمات الخدمية، ويقول هذا النوع من العمل بين المواطنين ودمجهم معا يدخل في صميم عمل المنظمات الخدمية. ويقول: إن المنظمات الدفاعية العاملة علي التمكين السياسي ودعم الديمقراطية والمسائل الحقوقية غير مطالبة بالقيام بهذا الدور، لأنه دور خدمي واجتماعي أكثر منه مدني وسياسي، ويكفي هذه المنظمات أن تقوم بالدور الدفاعي في مثل هذه الأمور وهي تقوم بالفعل بالاشتباك القضائي والقانوني في هذا الشأن، ويقول: إن دورنا كمنظمات دفاعية هو إبراز الخلل التشريعي والقانوني الذي يساعد علي حدوث هذه المسائل الطائفية عن طريق التمييز أو غيره، وبالفعل قامت المنظمات بإقامة العديد من الدعاوي القضائية ذات الصلة. ونفي "أمين" أن تكون المنظمات الحقوقية قد تخلت عن العمل في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يكفلها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في سبيل العمل علي الحقوق السياسية والمدنية فقط، ويقول: إن المنظمات تلتزم بالتصدي لكل الحقوق المقررة للإنسان، وتقوم بعمل أنشطة وبرامج ودورات تدريبية أن لم تكن مخصصة للجمع بين الشباب المسلم والمسيحي أو نشر ثقافة المواطنة وقبول الآخر فإنها تتضمن هذه الأمور بداخلها وبصورة غير مباشرة. وتري د. عفاف مرعي مدير الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية أن حل قضايا الفتنة الطائفية هو عمل مشترك يجب أن تشارك فيه جميع قطاعات البلاد، وتقول: علي منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدورها والذي لا تقوم به علي أكمل وجه حتي الآن، وتقول: نحن في الجمعية لدينا برنامج طويل الأمد لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين طلبة المدارس. وتري أن دور المجتمع المدني يمكن أن يكون دورا مكملا لباقي الأدوار، إلا أنه لن يستطيع الحل بمفرده، وتتهم النظام المصري بالتخاذل في التصدي لهذا الملف الشائك، مؤكدة أن هذه المشكلة تحتاج إلي تدخل دولة وتكون دولة قانون قوية جدا ويعلم جميع مواطنيها أن القانون هو سيد الموقف وأنه يسري علي الجميع، بجانب تغيير الخطاب الإعلامي الحكومي والذي لم يكن علي قدر المسئولية منذ بداية أحداث الفتنة الطائفية في السبعينيات من القرن الماضي، وأدي بجانب التعامل الخاطئ للدولة إلي تفاقم الأزمة وبدلا من الوضع الذي كنا نسمع فيه كل عدة سنوات عن حادثة فتنة طائفية أصبحنا اليوم نسمع عن حادثة كل عدة شهور وغدا يكون هناك حدث طائفي كل يوم. وتقول: المشكلة أن هذا التعاطي الضعيف للدولة والقطاعات الأخري يتوازي معه عمل منظم لبعض الناس يدعو فيه للكراهية ونبذ الآخر، والغريب أن ذلك ظل يحدث لسنوات طويلة داخل المساجد والمدارس والجامعات ويدشن المعاملات اجتماعية وعلاقات إنسانية قائمة علي أساس الفرز الطائفي حتي صار الشباب في الجامعات يقيمون علاقاتهم علي هذا الأساس. وتضع عفاف مرعي أربعة مستويات للتعامل مع مشاكل الفتنة الطائفية المستوي الأول يتعلق بدور الدولة التي يجب عليها أن تعلن جميع المواطنين بأن القانون هو القوة العليا وأن المواطنة هي أساس الانتماء، والمستوي الثاني يتعلق بدور الإعلام الذي يجب أن يتغير أسلوب إدارته وتوجيهاته ليكون إعلاما محايدا يدفع في إطار قيم المواطنة، والمستوي الثالث يتعلق بالعمل في المدارس والجامعات لنشر قيم التسامح وقبول الآخرين التلاميذ والطلاب في جميع المراحل، وتضمين المناهج الدراسية مواد متعقة بثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن تعويد الطلاب علي عادات جديدة ومعاملات تتوقف علي العمل بعيدا عن التمييز والفرز الطائفي، أما المستوي الأخير فيتعلق بدور القطاع الأهلي والقطاع الخاص لتشمل جميع أعمالهما وبرامجهما أنشطة تصب في نفس القناة، وتقول "عفاف" دون العمل بهذه الطريقة فإننا نعرض مصر لأزمة كبيرة. ويقول أيمن عقيل مدير مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية: إنه في ظل ما يحدث بين المسلمين والمسيحيين، مما ينبئ علي تدهور العلاقة بين أبناء الوطن الواحد كان يجب علي منظمات المجتمع المدني أن يكون لها دور فعال في إزالة أسباب هذه الفتنة وأن تعمل علي دعم وتقوية نسيج الوطن الواحد وأن تنشر مفاهيم التسامح والمواطنة، وقبول الآخر وحرية العقيدة وألا يعتدي أي مواطن كان مسلما أو مسيحيا أو حتي يهوديا علي معتقدات وديانات الآخر. ويقول: علي الرغم من وجود عدد من المنظمات التي تهتم بنشر هذه المفاهيم، إلا أن دورها مازال محدودا، ولذلك يجب علينا أن نهتم بقضايا المواطنة، خاصة بين الشباب لتعليمهم ليس فقط قبول الآخر، ولكن أيضا الاعتراف بالآخر واحترامه ويجب إيلاء اهتماما بهذه القضايا حيث إن معظم منظمات المجتمع المدني تهتم بالحقوق المدنية والسياسية والتمكين السياسي للمرأة.