أدت التقارير الإخبارية الأخيرة التي تفيد بأن الولاياتالمتحدة تبحث حالياً إمكانية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية إلي مضاعفة إيران جهودها لتطوير برنامج نووي. والحال أن هجوما أمريكيا علي إيران من شأنه أن يفقد المنطقة استقرارها ويسفر عن نتائج عكسية بالنسبة للحرب التي تشنها الولاياتالمتحدة علي الإرهاب. لقد أعلنت إيران أنها لن تتراجع عن رغبتها في الحصول علي التكنولوجيا النووية، كما دفع الإعلان الإيراني الجانبين لإجراء اختبارات عسكرية، حيث جربت إيران عدة أنواع من الصواريخ في استعراض واضح للقوة، أما الولاياتالمتحدة فتستعد لاختبار قنبلة تزن 700 طن، صُممت لاختراق الغرف المحصنة تحت الأرض، علي غرار تلك التي تحتضن المنشآت النووية الإيرانية. وقد أقر بعض المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين بشكل غير رسمي أن الخيار العسكري قد لا يكون ثمة مناص منه للأسباب التالية: - الجهود الدبلوماسية الألمانية والبريطانية والفرنسية فشلت حتي الآن في إقناع إيران بضرورة التخلي عن برنامجها النووي. وإيران تتقدم في برنامج تخصيب اليورانيوم، وقد أنشأت مرافق لصناعة أجهزة الطرد المركزي واختبارها، ومنشأة تخصيب نموذجية صُممت ل1000 جهاز طرد مركزي، ومنشأة تحت أرضية ينتظر أن تصل طاقتها الاستيعابية إلي 50000 جهاز طرد مركزي. - التأخير سيجعل من القيام بضربة ناجحة ضد منشآت إيران النووية عملية صعبة وعصية، علما بأن المنشآت النووية في ناتانز دفنت تحت أزيد من 15 مترا من الاسمنت المسلح والتراب. وثمة ما يدل علي أن نفس تدابير التحصين اعتمدت في منشآت أخري. - بإمكان الولاياتالمتحدةوإيران الحد من تأثير أي رد انتقامي إيراني، فإيران قد ترد بالقوة العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر عبر منظمات موالية لها مثل "حزب الله" اللبناني، كما أن إيران قد تحاول أيضا إغلاق مضيق هرمز حتي ترتفع أسعار النفط. إلا أن إسرائيل والولاياتالمتحدة قد تردان بطريقة تقليدية أو غير تقليدية علي هجوم ينفذه حزب الله أو منظمات أخري موالية لإيران. وإضافة إلي ذلك، تستطيع الولاياتالمتحدة نشر ما يكفي من الوحدات العسكرية لمنع وصد أي محاولة للسيطرة علي مضيق هرمز. وفي ضوء الأسباب سالفة الذكر، بلورت الولاياتالمتحدة مخططات تقضي بتوجيه ضربات عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية. ويمكن للهجوم المحتمل أن يتخذ ثلاثة أشكال علي الأقل: ضربات جوية انطلاقاً من مقاتلات أمريكية أو إسرائيلية، أو هجوم بصواريخ أرض أرض، أو هجوم بالصواريخ انطلاقاً من السفن أو الغواصات في البحر الأبيض المتوسط أو بحر العرب. بيد أن الأصوات المنادية بتوجيه ضربة عسكرية إلي إيران لا تستند إلي أساس قوي في ظل عدم وجود ضمانات علي نجاحها، ذلك أن مسئولي عدة وكالات استخبارات غربية أقروا أنهم لا يعرفون مكان جميع المنشآت النووية في إيران. كما أن الأهداف الإيرانية لا توجد بمكان واحد كما كان عليه الحال بالنسبة للعراق سنة 1981 عندما تعرض مفاعله النووي لهجوم إسرائيلي، فهي اليوم موزعة علي أرجاء إيران ومحمية ومحصنة. والحق أن الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية قد تدفع مع ذلك إيران إلي الموافقة علي التخلي بشكل نهائي عن حقها في تخصيب اليورانيوم مقابل تزويد مضمون من مصدر خارجي مثل روسيا. وإلي ذلك، ثمة بديل ممكن آخر يتمثل في خيار التخصيب المحدود، حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يوافق صراحة علي أن تنتج إيران الطاقة النووية السلمية. وبالمقابل، توافق إيران علي تأخير البدء في برنامج التخصيب، وشروط تحد من حجمه ونطاقه، ونظام تفتيش صارم. وعلاوة علي ذلك، فإن كلفة هجوم أمريكي محتمل ستكون باهظة جداً، وهي لن تكون كذلك نتيجة لرد عسكري أو اقتصادي إيراني، وإنما نتيجة تدهور العلاقات الأمريكية مع البلدان الإسلامية، مما سيؤثر بشدة علي حرب الولاياتالمتحدة العالمية علي الإرهاب. فردود الفعل علي الرسوم الكاريكاتورية للرسول محمد عليه الصلاة والسلام أبرزت بجلاء مدي قابلية انفجار المشاعر المعادية للغرب والولاياتالمتحدة في أوساط المسلمين في الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا. ولذلك من شأن الهجوم علي إيران إتاحة فرصة أخري لتأجيج هذه المشاعر. والواقع أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة منتشرة أصلاً في العالم العربي، وذلك وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة زغبي الدولية. ففي مصر والسعودية، اللتين تعتبران حليفين كبيرين للولايات المتحدة في المنطقة، يحمل 85 في المائة و89 في المائة من السكان علي التوالي نظرة سلبية عن الولاياتالمتحدة. مما لا شك فيه أن سلوك إيران علي مستوي السياسة الخارجية والبرنامج النووي يشكل مصدر ازعاج حقيقيا، غير أن هجوما استباقياً ضد إيران اليوم لن يخدم قطعا المصالح السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فكما قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مؤخراً، فإن الولاياتالمتحدة لم تُبل بلاء حسنا في جهودها الرامية للتصدي للتأييد الإيديولوجي للإرهاب. وعليه، فإذا كانت أمريكا جادة فعلا في التصدي لهذا التأييد والفوز بالعقول والأفئدة في الشرق الأوسط، فعليها اتباع سياسات تكسبها التأييد بدلا من المزيد من العداء في المنطقة.