يتنامي يوماً إثر الآخر، عدد الجنرالات المتقاعدين وقدامي المحاربين الأمريكيين، الذين يجهرون بأصواتهم المعارضة لإدارة بلادهم لحربها علي العراق، خارجين بذلك عن تقليد عسكري ساد لعدة عقود، يقضي بعدم انتقاد العمليات العسكرية الجارية. وتنصب المعارضة الموجهة لهذه الحرب بالدرجة الأولي علي أداء وزير الدفاع الحالي، دونالد رامسفيلد. وحتي هذه اللحظة، فقد طالب أربعة علي الأقل من هؤلاء، رامسفيلد بتقديم استقالته من منصبه الحالي، استناداً إلي ما يأخذونه عليه من تجاهل ي العسكرية التي قدمت إليه قبل شن الحرب، ثم ارتكابه لأخطاء استراتيجية رئيسية، من وجهة نظرهم. من ذلك ما تردد مراراً علي لسان الميجور جنرال المتقاعد جون باتست عبر عدة لقاءات صحفية أجريت معه من أن وزارة الدفاع الأمريكية أضحت بحاجة لبداية جديدة. والذي ينقصها الآن قائد يعرف كيف يدير العمل بروح الفريق والعمل الجماعي، أي قائد يستطيع أن يفعل ذلك دون أن يهدد أحداً، أو يبذر الخوف والرعب في قلوب معاونيه وموظفيه. كان ذلك بعض الذي قاله لشبكة "سي إن إن" الإخبارية يوم الخميس، أول من أمس. يذكر أن الجنرال باتست، الذي قاد وحدة المشاة الأولي في العراق حتي لحظة تقاعده العام الماضي، يعد آخر وأقوي أصوات كبار الجنرالات المتقاعدين المعارضين لرامسفيلد. وقد بلغ النقد حداً ومدي، اضطر البعض من أمثال الجنرال بيتر بيس، قائد سلاح البحرية، ورئيس أركان الحرب الموحدة، لأن ينفي علناً يوم الثلاثاء الماضي، تلك الانتقادات، لاسيما القائلة منها بصلف دونالد رامسفيلد، وقدرته علي إخراس أصوات الجنرالات وقادة البحرية المعارضين له في الرأي. وقال في معرض رده علي تلك الاتهامات: "لقد تمتعنا ولا نزال بكامل الحرية والحق في إبداء آرائنا بكل صراحة. وإن لم نفعل، فيا له من عار وأي عار"! وأكد الجنرال أن التخطيط للحرب علي العراق، إنما كان نتيجة لعمل جماعي، شارك فيه الضباط العسكريون، ثم عرض علي المدنيين الذين أيدوه، ثم أعاد مراجعة الخطة الضباط العسكريون ثانية، قبل أن توافق عليها القيادة العسكرية العليا بوزارة الدفاع. غير أن الجنرال السابق أنتوني زيني، قائد سلاح البحرية والقائد الأعلي السابق للقوات الأمريكية في كل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطي، ينتقد بدوره دونالد رامسفيلد، ويلقي عليه باللائمة علي ما وصفه بأنه سلسلة من الأخطاء الكارثية علي حد تعبيره. وفي الاتجاه نفسه كتب الجنرال السابق بول إيتون مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" اتهم فيه دونالد رامسفيلد بارتكاب عدد من الأخطاء الاستراتيجية الرئيسية، في مقدمتها تجاهله. وفي مقال آخر نشره الجنرال البحري جريج نيوبولد مدير العمليات السابق لقيادة أركان الحرب الموحدة في مجلة "تايم" الأسبوع الماضي، قال فيه إن السياسات العسكرية الأمريكية المطبقة في العراق، قد وسمتها سلسلة من مظاهر فشل السياسات الحربية، من بينها وعلي رأسها: تحريف المعلومات الاستخبارية، وضيق النطاق الإداري للحرب، الذي حال دون توفر ما يكفي من الموارد للجنود الأمريكيين، علاوة علي الفشل في الحفاظ علي الجيش الوطني العراقي وإعادة بنائه. وتعليقاً علي ذلك تساءلت المحللة العسكرية لورين تومبسون من معهد ليكسنجتون بمدينة أرلينجتون بولاية فرجينيا عن المدة التي استغرقها بروز هذه النقمة العسكرية علي رامسفيلد إلي السطح. وقالت الدكتورة تومبسون: من الواضح أن رامسفيلد قد تمكن من إقناع الرئيس بأن كل النقد الموجه لأداء وزارة الدفاع في حربها علي العراق، إنما هو عائد بالدرجة الأولي، إلي آراء أولئك الذين يعترضون علي التغيير، ويقفون حجر عثرة أمامه. وعلي الرغم من أن في تأويل هذا النقد ما قد يحمل وجهاً من وجوه الصحة، إلا أن ما يراه الجنرالات والضباط العسكريون في رامسفيلد، أنه ليس عميقاً بما يكفي في فهمه للتكنولوجيا وللعمليات الحربية، وبالتالي فهو ليس عميق الفهم لما تسفر عنه نتائج سياساته العسكرية المطبقة في العراق. والأدهي والأمر، أنه لا يستمع مطلقاً لمن يخالفونه الرأي! فهل يصمد رامسفيلد أمام هذه الموجة العاتية من المعارضة والانتقادات؟