في خطوة يتوقع الكثير من المراقبين أن تفاقم من المشاكل التي يواجهها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، اعترف "حزب العمل" البريطاني أنه تلقي مبالغ مالية تفوق بثلاث مرات ما سبق أن أعلن الحزب عن تلقيه كقروض سرية لتمويل حملته الانتخابية. وقد أدي كشف هذه الحقائق إلي احتدام النقاش المنصب حاليا حول المستقبل السياسي لبلير، متجليا في افتتاحية المجلة الأسبوعية "ذي إيكونمست" التي خرجت فيها عن المألوف وسحبت دعمها الذي كانت قد منحته لرئيس الوزراء في انتخابات السنة المنصرمة. ويبدو أن المجلة الأسبوعية المرموقة واكبت الأصداء التي صدرت عن باقي المطبوعات البريطانية، سواء كانت في اليسار أو اليمين، حيث نصحت توني بلير ب "مغادرة منصبه ما دام موجودا في السلطة". ويذكر أن القروض الجديدة غير المعلنة التي تم الكشف عنها دفعت الكثير من البريطانيين إلي التساؤل عما إذا كان حزب بلير وقع هو الآخر في مستنقع الفساد نفسه الذي كان وراء هزيمة حزب المحافظين عام 1997. من جانبه أعلن رئيس الوزراء الذي شغل المنصب منذ انتخابه أول مرة عام 1997، بأنه لن يخوض حملة انتخابية رابعة مشيرا إلي أنه سيسلم زمام السلطة إلي وزير المالية جوردن براون قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها سنة 2010 علي أبعد تقدير. وبالرجوع إلي تصريح حزب العمل يوم الجمعة الماضي، فقد أقر بأنه أخذ قروضا تصل قيمتها إلي 24.5 مليون دولار من أشخاص تفوق بأكثر من ثلاث مرات مبلغ السبعة ملايين دولار التي أفصح عنها الحزب في وقت سابق. غير أن الحزب امتنع عن كشف أسماء الشخصيات المانحة للقروض التي شكلت فيما يبدو الجزء الأكبر من إجمالي 31 مليون دولار قال الحزب إنه أنفقها علي حملته الانتخابية في شهر مايو الماضي. ولعل ما زاد من تعقيد الوضع بالنسبة لتوني بلير وحزبه هو ما أوردته التقارير الصحفية من أن بعض الشخصيات الثرية التي مولت حملة الحزب منحهم بلير بدوره تزكية الحصول علي الألقاب الشرفية السائدة في بريطانيا. وحددت تلك التقارير أن المبلغ المالي الذي أقرضه كل واحد من تلك الشخصيات لا يقل عن 1.75 مليون دولار. لذا فإن الصعوبات التي يشهدها بلير حاليا قد تتفاقم أكثر علي خلفية المزاعم التي تشير إلي احتمال قيامه بمقايضة النفوذ السياسي مقابل المال، وهي المزاعم التي تتناقض وتعهداته السابقة قبل تسع سنوات عندما تسلم السلطة، والقاضية بتطهير الحزب وجعله "أنظف من بياض الثلج". غير أنه منذ ذلك الوقت والقضايا المالية، سواء المتعلقة بالحزب أو بشخصيات عامة، تلطخ سمعة حزب العمل ابتداء من الوزير الأول نفسه وزوجته تشيري بوث، ومرورا بالوزير السابق بيتر ماندلسون، وليس انتهاء ببعض الشخصيات الثرية مثل بيرني إيكليستون قطب سباق سيارات الفورميلا وان. الصحافة البريطانية واكبت من جهتها الضجة التي أحدثتها تصريحات حزب العمال، مثيرة العديد من التساؤلات حول توني بلير وحزبه. وفي هذا السياق خصصت صحيفة "الإندبندنت" الليبرالية افتتاحيتها يوم الجمعة لتعلن أنه من بين 23 شخصا الذين تبرعوا بأكثر من 175 ألف دولار إلي حزب العمال، "حصل 17 منهم علي ألقاب شرفية". وتضيف الصحيفة قائلة "إن مثل هذه المقايضة ما كانت لتثير كل تلك الأسئلة ما لم يكن للمناصب الفخرية نفوذ سياسي جوهري في الحياة العامة". الموقف نفسه أعلنت عنه صحيفة "ذي جارديان"، من يسار الوسط، بقلم المعلقة بولي توينبي التي كتبت: "مهما فعل بلير عليه أن يجيب عن السؤال المزعج: هل قايض النفوذ بالمال؟" لتقترح الصحيفة علي بلير تقديم استقالته في أقرب وقت ممكن. ولم تخرج عن هذا الموقف، الذي أجمعت وسائل الإعلام البريطانية علي تبنيه، صحيفة "ذي دايلي ميل"، ذات التوجه اليميني، في مقال معلقها ماكس هاستينجز الذي جاء فيه: "لم نعد نفرق ما إذا كنا في عالم السياسة البريطانية أو عالم آخر"، ثم استطرد قائلا: "إن هذه الممارسات تبعث برائحة كريهة تزكم الأنوف". آلان كويل مراسل "نيويورك تايمز" في لندن "نيويورك تايمز"