انعقدت جولةٌ ثانيةٌ للحوار اللبناني/ اللبناني حول المشكلات العالقة: المحاكمة الدولية لقتلة الحريري، والمسلحون الفلسطينيون، والعلاقات اللبنانية السورية، وسلاح "حزب الله"، ورئيس الجمهورية. وبعد يومين من المشاورات الهادئة، انفضّ الاجتماع، وأعلن رئيس مجلس النواب عن الاتفاق علي النقاط الثلاث الأولي. المحاكمة الدولية لقتلة الرئيس الحريري ما كان حولها جدال. وقد أضاف المتحاورون الموافقة علي التوسع في التحقيق في الجرائم الأخري الواقعة علي الأرض اللبنانية منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة. أما بشأن المسلَّحين الفلسطينيين فقد جري الاتفاقُ علي نزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات خلال ستة أشهر، ونزع سلاح المخيمات أيضاً؛ لكن بدون تحديد مدة _ وعلي أن يكون ذلك كلُّه من دون عنف، وبمعاونة لجنة فيها "حزب الله" للمتابعة والضغط من أجل إنهاء المشكلة. وفي العلاقات اللبنانية/ السورية، أتُفق علي مطالبة النظام السوري بتحديد الحدود في منطقة مزارع شبعا، وإقامة العلاقات الدبلوماسية. كما كُلّف رئيس الحكومة بمعالجة الموضوع الفلسطيني، كُلّف أيضاً بمعالجة الموضوع السوري، ولو بالسفر إلي دمشق. وبقي أمران اثنان تأجل البحث فيهما للمتابعة يوم الأربعاء المقبل. والأمران هما: سلاحُ "حزب الله"، ورئاسة الجمهورية اللبنانية. في موضوع سلاح "حزب الله"، جري الفصلُ بينه وبين مزارع شبعا؛ لكنه ربط نفسه بقضية "حماية لبنان" إذ هو يريدُ ضماناتٍ عليها قبل أن يقبل علي نزع سلاحه. لكنّ الواقع أنّ حماية البلاد ليست مطلوبةً من فريق ٍ دون فريق، شأنها في ذلك شأن مزارع شبعا. لكنْ هذا ما يقوله الحزب، وليس مستعداً للتنازُل عنه بأي شكل. ولذلك لا بد من حوارٍ مستفيضٍ يتحمل فيه كل الفرقاء مسئولياتهم. أما موضوع الرئيس لحود، فقد جري الاعتراف بأنّ وجوده مشكلة، وأنّ هناك بسببٍ من هذا الوجود "أزمة حكم". وهذا تقدمٌ بطيءٌ باتجاه نَزْع رئيس الجمهورية، بعد أن كان "حزب الله" وحركة "أمل" وعَون قد حموه حتي الآن. لكنْ كما في سلاح "حزب الله"، كذلك في الرئاسة "قطبة مخفية" كما يقال في التعبير الشعبي. بالنسبة للسلاح هناك مواجهةٌ حاميةٌ في المنطقة بين الولاياتالمتحدةوإيران. وقد أقامت إيران دفاعاتٍ ما بين أفغانستانوفلسطين، بما في ذلك "حزب الله في لبنان. وأنا لا أزعم أنه سيهاجم إسرائيل إذا هوجمت إيران؛ لكنْ من جهةٍ أخري؛ فإنّ إيران تعمل للحزب ومع الحزب منذ العام 1982، ولها عليه الكثير، ونزع السلاح الآن أو بعد أشهرٍ قليلةٍ غير منطقي ما دامت إيران قد أرسلت سلاحاً وأموالاً وتدريباتٍ ومدرّبين طوال رُبع قرن، وهي تنتظر الآن نتائج التزامها لدي الحزب. فلا بد من مُهلةٍ، ولنري ماذا سيحصُلُ علي العراقيين، وكيف تنتهي المواجهة بين إيران والشيطان الأكبر! وبرزت مشكلة سلاح "حزب الله" بوضوح. ليس المطلوب أن يأتي أحد الأطراف خاضعاً، فكيف إذا كان من بينهم المقاومون الذين قَضَوا في الصراع مع إسرائيل؟! لكنْ من جهةٍ ثانية: ليس من المقبول أن يظل التنظيم المسلَّح موجوداً خارج سيطرة الشرعية اللبنانية. كما ليس من المقبول نشوب معركة من أجل نزع السلاح فهذا أيضاً يحصُلُ علي توافُق مع الوقت، بعد أن تنجلي المصائب المحيطة بالمنطقة، والإنسان. وهناك أمرٌ آخر. صحيح أنه حصل انفكاكٌ من نوعٍ ما بين "حزب الله" ومزارع شبعا؛ ولذا لن يظلّ الحزب باقياً علي سلاحه لتحريرها. لكنّ المعروف لدي بعض الأوساط أنّ الدوليين كانوا مستعدين للمساعدة في سحب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2001. بيد أنّ همَّهم كان مَنْ يحلُّ محلَّ المنسحبين: الجيش والقوي الأمنية، أم المسلَّحون من "حزب الله"؟! والواقع أنّ مسلَّحي حزب الله سيطروا علي المناطق التي انسحب منها الإسرائيليون، ولا شيء يضمن ألا يفعلوا الشيء نفسه إذا انسحبت إسرائيل من مزارع شبعا. فالمطلوب ضمانات للدوليين الذين يريدون المساعدة، لكي يستطيعوا الضغط علي إسرائيل من أجل الانسحاب، والعرب يضغطون علي سوريا لتسهيل عملية التحديد أو الترسيم. والواقع أنّ هذه المشكلات كلّها خارجية إذا صحَّ التعبير. أما المشكلات الداخلية الحقيقية فموجودة ومتكاثرة. عندنا ملف الضمان الاجتماعي، وملفّ الكهرباء، والملف الاقتصادي الكبير، الذي لا بد من عقد مؤتمر بيروت -1 من أجل التصدي له. لا أحد يريد الانتظار بعد ثلاثين عاماً من الانتظارات المتوالية. لكنّ السياسيين اللبنانيين أنجزوا شيئاً يستطيعون البناءَ عليه، ويستطيعون إشراكَ العرب فيه. وقد يكونُ من الصعب إقناع السوريين بأنهم أضحوا خارج البلاد، وهي مستقلةٌ تماماً. لكنْ لا بد من ذلك مع الوقت، وإلاّ توالت الأحداث الجسام، وكأننا لا رُحنا ولا جينا. هل سيعود اللبنانيون إلي الاجتماع يوم 22/3؟ بالتأكيد سيعودون للاجتماع، وسيكون موضوعا السلاح والرئيس موجودَين علي الطاولة. صحيح أنّ المشاكل لم تحلّ؛ لكنْها ظهرت بوضوحٍ ومن دون مواربة. وسنحتاج لمساعدة العرب، لكننا قمنا هذه المرة بأكثر بكثيرٍ مما كنا نقوم به. المنطقة مخيفةٌ ومُخيفٌ ما يحدُثُ فيها. ولا يجوزُ تقليدُ ما يجري في العراق ولا في فلسطين. هناك فرصةٌ لا بد من الإفادة منها، ولا يصحُّ التطلع ثانيةً إلي ثلاثة عقودٍ من التوتر والتوتير والوصاية والتحقير بل والتغيير! عن الخليج