منذ مؤتمر مدريد الذي عقد في عام 1991، وعلي امتداد الخمس عشرة سنة الماضية كلها _إن لم يزد علي ذلك بقليل واصلت الولاياتالمتحدةالأمريكية احتكارها منفردة، لما يسمي بعملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني. ومنذ ذلك التاريخ، لم يعد ثمة منافسون جادون لها، يقتسمون معها الدور القيادي الذي تلعبه في عملية السلام إياها. ذلك أن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق قد أسفر عن غياب مؤقت للدور الروسي في المنطقة الشرق أوسطية، في حين لم يجد الاتحاد الأوروبي له موطئ قدم يذكر في التأثير عليها، بسبب الاتهامات التي تكيلها إسرائيل للأوروبيين، فيما تراه انحيازاً من جانبهم لصالح الفلسطينيين والعرب علي حسابها. وهكذا هنئت تل أبيب بكون الولاياتالمتحدةالأمريكية الوسيط الوحيد في عملية السلام، نظراً لثقتها المطلقة _تل أبيب- في قدرتها علي رسم وتشكيل السياسات الخارجية الأمريكية لمصلحتها هي. والذي حدث إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون _وتحت تأثير مسئولين ووسطاء من أمثال دنيس روس ومارتين إنديك المعروفين بتعاطفهما ومواقفهما المنحازة للجانب الإسرائيلي- فقد اطمأنت إسرائيل ونامت قريرة العين، إذ لم يمارس عليها من الضغوط، ما يرغمها علي إنهاء احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية. ليس ذلك فحسب، بل إن ما تلا انتخاب الرئيس بوش للمنصب الرئاسي، جاء وبالاً ونكسة أكبر علي الفلسطينيين والعرب. فقد أمسك "المحافظون الجدد" شديدو الولاء والانحياز لإسرائيل، بالمناصب المفصلية في إدارة بوش، سواء في وزارة الدفاع أم في مكتب نائب الرئيس، أم في مجلس الأمن القومي، إضافة إلي تربعهم في عدد من المراكز ومؤسسات البحث المختصة بوضع ورسم السياسات الأمريكية. لكن وبالنتيجة، فقد ارتد سهم احتكار واشنطن لدور الوساطة في تسوية النزاع الشرق أوسطي، إلي نحرها إذ لم تجن من احتكارها ذاك سوي الخيبة والفشل الذريعين. والشاهد أن الوضع الماثل علي الأرض اليوم، وبالتحديد داخل الأراضي الفلسطينية، لهو أسوأ بما لا يقاس إلي ما كان عليه ساعة انعقاد مؤتمر مدريد للسلام قبل عقد ونصف العقد من الزمان. ولنا أن نقف علي إحصائية واحدة فحسب، لندرك كم هو حجم الدمار الذي لحق بتلك التسوية. ففي عام 1991 الذي انعقد فيه مؤتمر مدريد للسلام، كان هناك ما يقل عن 90 ألف مستوطن يهودي في الأراضي الفلسطينية الواقعة ما وراء حدود الدولة الإسرائيلية لعام 1967. أما اليوم فقد تجاوز عدد المستوطنين اليهود المقيمين في أراضي الضفة الغربية وداخل وحول مدينة القدسالشرقية، ال460 ألف مستوطن، بينما استمر في الوقت ذاته فرض حصار خانق علي الفلسطينيين، متبوعاً بقهرهم وسحقهم وإفقارهم وإذلالهم إلي حد لا يوصف! ومن فرط سوء الوضع الراهن، فقد رأي بعض المراقبين أن تحقق حل الدولتين المستقلتين المتجاورتين جنباً إلي جنب في كل من إسرائيل وفلسطين، لهو أبعد مما تكون الأرض عن السماء، في ظل الواقع العيني الراهن. عن الاتحاد