في بعض الأحيان تكون أحجار الطريق التي تشكل عقبة في الشئون الدولية شديدة الوضوح مثل نتائج الانتخابات الفلسطينية وفي أحيان أخري يحدث أن تكون تلك العقبات معقدة أو مربكة أو حتي غير واضحة للعيان وبالتالي يصعب فهمها خارج دائرة صغيرة من الخبراء. وربما تفسر لنا هذه المقدمة السبب الذي أدي إلي عدم وجود مناقشة في واشنطن عن صفقة الغاز بين روسيا وأوكرانيا التي تمت في الشتاء الحالي، وهي صفقة لا تقل في خطورتها عن نتائج الانتخابات الفلسطينية. ففي هذه الصفقة نجد أمامنا شبكة معقدة من العقود بين أطراف غامضة كما نجد ترتيبات سعرية، واتفاقيات جانبية خفية حول رسوم الترانزيت ومنشآت التخزين، وما إلي ذلك من تفاصيل، يمكن أن تقلب كفة الميزان ضد الديمقراطية في معظم بلدان النصف الشرقي من أوروبا. وكانت هذه القصة قد طفت علي السطح في بداية يناير الماضي عندما ارتكب الرئيس بوتين خطأ الإيقاف الجزئي لإمدادات الغاز لأوكرانيا ولجزء كبير من أوروبا الغربية بالتالي. وبعد أن تعرض للوم من جانب كبار المستهلكين مثل ألمانيا، فإن بوتين الذي كان يحاول إجبار أوكرانيا علي قبول زيادة في أسعار الغاز تصل نسبتها إلي 400 في المائة سرعان ما أعاد ضخ الغاز. وبعد ذلك بيومين، تم الإعلان عن التوصل إلي صفقة بين موسكو وكييف، تم بموجبها زيادة سعر الغاز الروسي المبيع لأوكرانيا بنسبة 90 في المائة فقط. وقد احتاج الأمر إلي شهر بعد ذلك التاريخ كي يتمكن الحلفاء الرئيسيون للحكومة الأوكرانية الموالية للغرب من معرفة المزيد من المعلومات عما حدث. وعندما عرف هؤلاء الحلفاء تلك المعلومات فإن الذهول تملكهم. فقد عرفوا مثلاً أن الرئيس الأوكراني "فيكتور يوتشينكو"، ورئيس وزرائه "يوري إيخانوروف" قد وافقا علي شراء الغاز الروسي لأوكرانيا عبر شركة تجارية سويسرية غير معروف من هم ملاكها. كما عُلم أيضا أن "يوتشينكو" و"إيخانوروف" منحا هذه الشركة50 في المائة من أسهم شركة أخري تقوم بتوريد الغاز للمستهلكين الأوكرانيين، وأنهما قد قبلا بصفقة سعرية علي الغاز المورد لأوكرانيا تستمر فقط لشهور قليلة، ولكنها تضمن أن الأسعار المتدنية التي تتقاضاها أوكرانيا مقابل تخزين ونقل الغاز الروسي إلي الغرب عبر أراضيها سيتم تجميدها لمدة 25 سنة.