راي تقي: عضو "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي تشارلز إيه كبتشان: أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "جورج تاون" وعضو "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي خلال فبراير المنصرم، قامت إدارة الرئيس بوش بنقلة نوعية في سياسة الولاياتالمتحدة تجاه إيران، بعد أن طلبت من الكونجرس رصد مبلغ 85 مليون دولار للمساعدة علي إحداث تغيير في النظام الإيراني. وهو ما يؤشر علي أن هدف الولاياتالمتحدة لا يقتصر علي احتواء طموحات طهران النووية، وإنما يتعداه ليشمل الإطاحة بالحكومة الإيرانية أيضا. والواقع أن الحرب في العراق شاهد علي التكلفة الباهظة لاستعمال القوة العسكرية في إحداث تغيير النظام. وبالتالي يبدو أن الإدارة الأمريكية ترغب في الاقتداء بما حدث في أوروبا الشرقية التي استعملت فيها الولاياتالمتحدة المحطات الإذاعية، ووجهت دعمها ومساعدتها للجماعات المعارضة للمساعدة علي إضعاف الحكومات الديكتاتورية وتشجيع الديمقراطية. ولذلك يمكن القول إن مسئولي الإدارة الأمريكية قد تعمدوا الإشارة إلي حركة التضامن البولندية كنموذج عن قصد. ولكن بالرغم من أن دمقرطة إيران تشكل هدفاً رئيسياً، فإن الإدارة ترتكب خطأ بتبنيها استراتيجية تهدف إلي إحداث تغيير في النظام الإيراني بالاستناد إلي التجربة الأوروبية. ذلك أن الظروف في إيران تختلف عن تلك التي رافقت سقوط الأنظمة الديكتاتورية في أوروبا، ما يرجح احتمال أن تأتي الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها الإدارة الأمريكية بنتائج عكسية، وبالتالي تقوي موقف المتشددين في طهران. ولذلك فبدلاً من عزل إيران دولياً والسعي إلي إضعاف نظامها من الخارج، ينبغي علي واشنطن أن تعمل علي إشراكها، وهو ما سيؤدي لاحقاً إلي حدوث عملية الإصلاح السياسي من الداخل بشكل طبيعي. صحيح أن حركات المعارضة التي أطاحت بالشيوعية في أوروبا الشرقية وأتت بالديمقراطية مؤخراً إلي أماكن مثل جورجيا وأوكرانيا كانت مؤيدة للولايات المتحدة. وصحيح أيضاً أن الحركات المعارضة كانت سعيدة بتلقي الدعم والمساعدة من واشنطن، وبارتباط اسمها بسياسة الولاياتالمتحدة، إذ لا يزال التحالف مع الولاياتالمتحدة يعد ذخيرة سياسية قيمة بالنسبة لديمقراطيات أوروبا الجديدة. إلا أن الأمر مختلف بالنسبة لإيران التي يسود أطيافها السياسية التوجس والريبة من الولاياتالمتحدة. ولذلك فإن دعم إدارة بوش الخطابي والآن المالي للشعب الإيراني لا يزيد مهمة المدافعين عن الديمقراطية في إيران إلا تعقيداً بدلاً من أن يدعمهم، حيث يستمر "المحافظون" الإيرانيون في الرد علي "التدخل" الأمريكي بتضييق الخناق علي المعارضين. بل وحتي أولئك الإصلاحيون الذين لديهم ميول مؤيدة لسياسة الولاياتالمتحدة يضطرون إلي النجاة بأنفسهم والتنديد بسياسة العداء الأمريكية. وفي حين كانت الأنظمة التي أسقطتها الثورات الديمقراطية في أوروبا الشرقية هشة وغير شرعية، ولطالما اعتبرت أنظمة تفتقر إلي المصداقية في أعين مواطنيها، فإن النظام الحالي في إيران يحظي بشعبية، كما أن الرئيس محمود أحمدي نجاد أفلح في حمل شعار الوطنية. وبالتالي يبدو أن إدارة بوش لا تدرك أن سياستها الدبلوماسية تجاه الملف النووي الإيراني إنما تضعف جهودها الرامية إلي نزع الدعم عن زعماء طهران. لقد كانت الأنظمة المركزية في أوروبا الشرقية تمارس رقابة شديدة علي وسائل الإعلام، ولذلك لعبت المحطات الإذاعية الأمريكية وتوزيع المعلومات سراً دوراً كبيراً في دعم فتح نقاش ديمقراطي. إلا أن إجراءات من هذا القبيل لن تكون قوية الفعالية في إيران، حيث الهواتف المتحركة والإنترنت والقنوات الفضائية منتشرة. كما أن النقاش الداخلي في إيران يتسم بالتعددية، بالرغم من عدم وجود صحافة حرة. كانت الإدارة الأمريكية علي صواب حين أبدت رغبتها في إضعاف رجال الدين المتشددين في إيران، غير أن أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف لا تكمن في إعطاء الشعب الإيراني محطات إذاعية باللغة الفارسية، وإنما في إمكانية الانضمام إلي المجتمع الدولي. والأكيد أنه عبر العمل في هذا الاتجاه تدريجياً، بدءا بالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تستطيع الولاياتالمتحدة تشجيع طهران علي تبني اللامركزية والمحاسبة والشفافية _وهي ممارسات سياسية من شأنها إحداث تغيير جذري في إيران. وعلاوة علي ذلك، ستكون الولاياتالمتحدة قد استثمرت بذلك في رصيد من حسن النية تجاه إيران، رصيد يعتبر ضرورياً لدعم جيل جديد من "الإصلاحيين" ينظر إلي الولاياتالمتحدة كشريك ممكن، بدلا من اعتبارها "الشيطان الأكبر". ومما لاشك فيه أن التلويح بالتهديدات ضروري لحمل طهران علي التخلي عن سعيها إلي الحصول علي التكنولوجيا الضرورية لإنتاج أسلحة نووية. ولكن لابد من أن تكون تلك التهديدات مشفوعة بوعود صادقة بالتطبيع السياسي في حال غيرت طهران سياساتها العدائية. وإلا، فإن المستفيد الوحيد هم المتشددون الذين يعتمدون علي "الأشرار" الأجانب والعزلة عن المجتمع الدولي لتبرير احتكارهم للسلطة. لقد كان ديمقراطيو أوروبا الشرقية يعلمون فيما قبل أن الغرب كان ينتظر دولهم بذراعين مفتوحتين، ما شجعهم علي اغتنام أول فرصة لتنحية أنظمتهم القمعية. أما في منطقة تسود فيها أجواء التوجس وعدم الثقة حيال الدوافع الأمريكية، فإن ما يحتاجه تقدميو إيران الآن هو التطمين.