يعترف الجميع بأن من أكثر الأشياء صعوبة، التي يتعين علي المدمن القيام بها هو أن يقر فعليا بأنه مدمن. ولكن التاريخ حافل بأسماء أشخاص رفضوا الاعتراف بإدمانهم الخمر أو السجائر أو المخدرات أو القمار ودفعوا ثمنا رهيبا لعدم اقلاعهم عن ذلك الإدمان. وعلي مدي سنوات ظل الناس يحذرون من أن إدمان العالم علي النفط ستكون له عواقب وخيمة، بدءا من إشعال الحروب إلي التسبب في التغير المناخي. وقد تصرفنا كمدمن علي المخدرات يعرف أن المزيج اليومي الذي يتعاطاه من المخدرات يوفر له راحة قصيرة الأجل، ولكنه يسبب له ألما طويل الأجل. ونحن ندرك أن أفعالنا تسبب مشكلات، ولكننا لا نستطيع التوقف، ونقنع أنفسنا بأنه يتعين علينا أن نقود سياراتنا وأن نستهلك. وربما كنا نشعر بالذنب، ولكن المعلنين يطمئنوننا حتي لا نستسلم لذلك الشعور. ويقول لنا هؤلاء المعلنون، مرارا وتكرارا، إننا بحاجة لعطلات زهيدة التكلفة في الخارج، وإننا نحتاج سيارة جديدة وأن نستهلك أكثر وأكثر. وهكذا، نقدم علي فعل ذلك بملء إرادتنا، فنحن أدمنا النفط. ولكن أمريكا هي أكبر مدمنة بين جميع المدمنين، فهي تستهلك 25 في المائة من نفط العالم وغازه، علي الرغم من ان سكانها لا يزيدون علي 45 في المائة من سكان الأرض. وفي أمريكا تتخذ الأشياء حجما أكبر دائما، بما في ذلك السيارات الأمريكية التي تستهلك الوقود بإسراف بالغ. وكما قال احد مسئولي النفط: "إن متوسط حجم سيارة في أمريكا هو حجم شاحنة". ومثل أي مدمن، ظلت أمريكا في حالة إنكار مستمر، وظل الرئيس جورج دبليو بوش مصرا علي الإنكار أكثر من بقية الرؤساء والمسئولين. وقد نفي أن اعتماد أمريكا علي نفط الشرق الأوسط سبب حروبا، كانت آخرها حرب العراق. ونفي وجود مشكلة التغير المناخي أو خطورتها. ولكن بوش رجل أعمال في مجال النفط، ويجري النفط في عروقه، وقد أوصلته صناعة النفط إلي البيت الأبيض. ولكن، وبما أن الحقيقة اتضحت، وتأكد أن سياسات إدارة بوش في الشرق الأوسط تعاني من فوضي تامة، وأن حرب العراق يمكن أن تكون حربا بلا نهاية، كان لابد من القيام بشيء، حتي بالنسبة لرجل نفط عنيد. وحيث إن الدليل العلمي علي حدوث التغير المناخي أصبح قويا ولا يمكن دحضه، اضطر بوش في خاتمة المطاف إلي أن يتصرف. وفي خطابه السنوي عن حالة الاتحاد، أخيرا، اعترف بوش بما كان ينكره بالأمس، فأعلن لشعبه والعالم: "إن أمريكا مدمنة علي النفط". وأوضح ان ما يزيد في تفاقم الأمور "أن هذا النفط في كثير من الأحيان يتم استيراده من اجزاء غير مستقرة من العالم". وليس هناك من جدوي لأن يقر المرء بأنه مدمن دون وجود خطة لمكافحة ذلك الإدمان والتغلب عليه. وهكذا حدد بوش الخطة بقوله: "ان الطريقة الأفضل للتغلب علي هذا الإدمان هي التكنولوجيا، حيث نستطيع أن نستبدل أكثر من 75 في المائة من وارداتنا النفطية من الشرق الأوسط بحلول عام 2025 بمزيج من "مصادر طاقة بديلة أنظف وأقل كلفة وليكن التعويل عليها بدرجة أكبر". وتمثلت فكرة بوش الألمعية في مزيج من مصادر الطاقة "البديلة" بالإضافة إلي الفحم النظيف والطاقة النووية. وأكد "أن نغير أيضا كيفية دفع سياراتنا" بدعم مزيج من الهيدروجين الذي لا يسبب التلوث والسيارات التي تسير باستخدام الايثانول. وقال بوش مخاطبا اعضاء الكونجرس الجمهوريين والديمقراطيين الواقفين ليصفقوا له بأن هذه التقنيات "ستجعل اعتمادنا علي نفط الشرق الأوسط شيئا من الماضي". فهل نشهد بداية تغيير هائل في الوضع الجيوبولوتيكي للشرق الأوسط مع بداية نهاية اعتماد الأمريكيين علي نفط المنطقة؟ وهل يتطلع الشرق الأوسط إلي فجر جديد لا يكون هناك تدخل أمريكي؟ ولا بد أن هناك الكثير من الناس الذين اعتقدوا أنهم لن يروا اليوم الذي يتحدث فيه بوش عن إدمان النفط. وعموما، ووراء اللغة الخطابية، لا تدعو الإشارات إلي الاطمئنان. وكما هو حال معظم المبادرات المقدمة من السياسيين فإن التفاصيل هي التي تهم وليس الألفاظ، وهناك جزء آخر من فكرة بوش "الألمعية" وهو شيء يدعي "مبادرة الطاقة المتقدمة، وقد اشار بوش إلي انها ستكون زيادة بنسبة 22 في المائة في الأبحاث الخاصة بالطاقة النظيفة. وعلي الرغم من أن هذا مجرد اقتراح بشأن مزيد من الأبحاث، يقول منتقدو بوش ان الحل الأكثر بساطة وسرعة هو تحسين كفاية وقود اسطول النقل الهائل غير الفعال في أمريكا. وبالنسبة لكثير من الدعاة المتمرسين في مجال الطاقة لا يشكل ما قاله بوش أمرا يدعو إلي التفاؤل الكثير. وهناك إجماع عام لدي أولئك الذين يعملون في المجال بأن اعتراف بوش بإدمان بلاده النفط جعله يخطو خطوة أولي جيدة، ولكنه اصطدم بجدار. ويقول ستيف كريتزمان، من منظمة "أويل تشينج" وهي منظمة تدعو لمستقبل طاقة مستدامة بيئيا واجتماعيا "ان لغة بوش الخطابية كانت رائعة، ولكنها لم تتجاوز ذلك. فقد خطا الرئيس الخطوة الأولي نحو إنهاء إدمان أمريكا النفط باعتراف بأننا نواجه مشكلة. ولكنه، وكما هو الحال بالنسبة لكثير من المدمنين في بداية طريق الشفاء، لا يبدو عليه أنه يفهم المشكلة الحقيقية جيدا". ويشير كريتزمان إلي خلل آخر في حديث بوش، فيقول ان واردات أمريكا من نفط الخليج تمثل 112% فقط من إجمالي استهلاك الولاياتالمتحدة، بمعني ان بوش يتحدث فقط في الحقيقة وعلي الرغم من الوعود الكبيرة التي اطلقها عن استبدال 8,4% من إمدادات النفط الأمريكية بمصادر أخري. ولكن استبدال هذه الكمية القليلة ذاتها لا يبدو ممكنا علي المدي الطويل بما أن الشرق الأوسط يمثل المنطقة التي توجد فيها غالبية احتياطيات النفط والغاز. وبالتالي، وعلي الرغم من الكلمات البراقة، فإن الحقيقة هي ان أمريكا ستستمر في إدمانها النفط ونفط الشرق الأوسط أيضا. وسيكون أثر ذلك سيئا علينا جميعا، ولكنه نبأ سيئ علي نحو خاص بالنسبة لأهل الشرق الأوسط لأنهم هم الذين سيدفعون ثمن إدمان أمريكا النفط بتعرضهم لمزيد من التدخل الأمريكي في منطقتهم.