لا ينكر احد "في العالم الثالث خصوصا" ان لواء الشرطة صاحب امر ونهي ومكانة اجتماعية مرموقة ونفوذ واسع وسلطة "مترامية الاطراف". كل هذه المزايا يأتي وقت وتتبخر ويصبح اللواء الحالي "سابقا" وهو الامر الذي ينعكس علي مجريات حياته بشكل او بآخر. هنا ننشر شهادات اللواءات السابقين عن سنوات المعاش اللواء فاروق حمدان عضو مجلس الشعب يتذكر ان الايام الاولي بعد الخروج علي المعاش كانت صعبة جدا فوظيفة رجل الشرطة تعني ان اليوم كله للعمل، والذي بدونه يشعر الشخص بفراغ كبير وخاصة ان عمله قد استمر لمدة 14 عاما بمديرية امن الجيزة. يضيف اللواء حمدان انه قد عاش هذه المرحلة ولكن استطاع ان يتغلب عليها، مستغلا حصوله علي ليسانس الحقوق من خلال دراسة بكلية الشرطة، ففكر فورا بأن يعمل بالمحاماة، وبالفعل عمل كمستشار قانوني لمجموعة شركات شهيرة، بعد ان نجح في عمله بمجال المحاماة، وفي هذا الصدد يروي اللواء حمدان انه بعد خروجه علي المعاش عرض عليه العمل كمدير فندق، نظرا للخبرة الامنية التي اكتسبها من خلال عمله بالشرطة، لكنه رفض لعدم قدرته علي العمل في مجال اقل من موقعه الذي كان يتمتع به اثناء فترة عمله بالشرطة. ويتذكر اللواء حمدان انه بالفعل اصيب بعض زملائه ممن انتهت فترة عملهم مثله، بحالة احباط شديدة ورفضوا ان يبدأوا اي مرحلة جديدة من حياتهم وفضلوا المكوث في المنزل، بعد شعورهم ان لا احد يرغب فيهم وانهم ليس لديهم ما يقدمونه لمن حولهم، وخاصة بعد حصولهم علي المكافأة المالية بعد انتهاء فترة عملهم، حيث قرروا وضعها في احد البنوك والعيش من فوائدها، دون ان يكملوا بأي مجال آخر ويستفيدوا من خبراتهم السابقة. يواصل اللواء فاروق حمدان انه قد استفاد من خلال عمله ووظيفته التي استمرت لسنوات طويلة في جهاز الشرطة في اكتساب عدد كبير من العلاقات التي مكنته من خلق العديد من الاعمال ويستكمل اللواء مصطفي الكاشف مستشار الاممالمتحدة لمكافحة المخدرات ووكيل الادارة سابقا، انه قد قضي سنوات عمره في مكافحة المخدرات، وبعد ان انهيت فترة عملي، لم افكر كثيرا في كيفية قضاء وقت فراغ، فيومي بعد ان كان مليئاً بالعمل الشاق ولم اكن اجد الا ساعات قليلة للراحة، وجدت نفسي لا افيد من حولي بأي شيء، فبدأت في ممارسة عملي الذي طالما عشت من اجله وهو المكافحة ضد المخدرات فبدأت اقوم بعمل نشرات لتوعية الشباب بأنواع المخدرات، وتوزيعها في الاندية والجامعات فهي رسالة لابد ان استمر في تقديمها حتي بعد انهاء فترة عملي بها، وتحتوي هذه النشرات علي بيان تأثير المخدر علي اجهزة المخ، وانها ليست سوي اساليب لتدمير العقول، وكذلك قدمت نشرات اخري للآباء عن كيفية اكتشاف المدمن وكانت بعنوان "كيف تكتشف مدمنا في بيتك!" فكنت اري انها وسيلة لاستمرار عملي في المكافحة ضد المخدرات فوجدت ان اسلوب التوعية هو جزء من المكافحة ضد هذا الخطر اللعين. ويضيف اللواء الكاشف انه الي جانب ذلك.. وبعد ان تأكد من تحقيق رسالته الاساسية والتي يري انها الاساس في حياته، عمل كمدير امني لمجموعة شركات امنية، حيث ان عمله بجهاز الشرطة كون لديه خبرة امنية كبيرة، وخاصة انه بعد عمله في مكافحة بالمخدرات عمل وكيلا لمصلحة الدفاع المدني، وحصل علي فرقة في الدفاع المدني والحريق، والتي تعتبر من اهم المصالح، لكونها تحتوي علي اشتراطات الامن والسلامة للمواطن والمؤسسات، فهي تحقق امن المواطن وسلامته، وهي المسئولة عن ذلك. ويستكمل اللواء الكاشف انه بعد خروجه من الخدمة لم يشعر باليأس طويلا، بل قرر ان يحول خبراته الامنية، ومشاعر الامن بداخله الي فكر، حيث يري ان الامن ليس مجرد قوة او معدات، بل هو مشاعر فرجل الشرطة لابد ان يشعر المواطن بالامان، ويبث شعور الامن داخله. ويواصل اللواء الكاشف ان شعوره هذا تكون بداخله برغم ما تعرض له من مشكلات اثناء فترة عمله، اشعرته بالظلم والغدر، ادت الي انهاء فترة خدمته بجهاز الشرطة وهو لم يتجاوز سن الخمسين، وقبل الفترة القانونية لانهاء فترة خدمته ب 15 عاما، ولكن برغم هذا اصر علي استكماله للرسالة الامنية ولم يوقفه عن عمله في مجال الامن، ويشير اللواء الكاشف انه يعمل الآن في ادارة شركتين احداهما للملاحة والاخري للاتصالات، الي جانب رسالته في مكافحة المخدرات. وينهي اللواء الكاشف حديثه برسالة الي من مثله من لواءات سابقين بألا يصابوا بالاحباط، ويعتبروا ما بعد فترة انهاء خدمتهم انها بداية جديدة وفكر اكبر، فالفرصة متاحة للعمل من جديد والانجاز ينتظرهم! ويضيف اللواء محمد عبد الفتاح عمر مدير امن المنيا الاسبق ان اي موظف في الدولة عند بلوغه السن القانونية للخروج علي المعاش، لا يفاجأ بذلك، لكونها اوقات محسوبة ومحسومة بعد الستين، ولكن الامر يختلف عند ضابط الشرطة، لكونه احيانا يحال للتقاعد قبل بلوغه هذه السن، وهنا تكون المفاجأة. ويحكي اللواء عبد الفتاح عن تجربته الشخصية أنه بعد بلوغه السن القانونية لاحالته علي المعاش، صدر امر بضمه الي اللجنة الاقتصادية للامانة العامة للحزب الوطني بالقاهرة، وانه مارس حياته بشكل طبيعي في بلدته المنيا وبعد وفاة شقيقه عضو مجلس الشعب، تقدم للانتخابات، وبدأ في خدمة اهل بلدته من خلال تواجده بالقاهرة من خدمات لإلحاق احد بكلية الشرطة وكانت تتحقق هذه الخدمات نتيجة للعلاقات الطيبة مع زملاء العمل الاسبقين، الذين قضيت معهم اكثر من اربعين عاما. يواصل.. وبالفعل نجحت في عضوية مجلس الشعب عن دائرة مقادة بنسبة 82% من الاصوات الصحيحة، ويضيف اللواء عمر، ان الشخص حينما يصل الي سن الاحالة علي المعاش، لابد ان يغير نفسه ويشعر انه قد ولد بعد سن الستين، ويمارس حياته وينجز فيها، حتي لا يصيبه الاحباط والاكتئاب والعديد من الامراض النفسية الاخري التي تصيب الانسان حينما يشعر انه لا يقدم شيئا مفيدا او انه قد تم الاستغناء عنه، ويشير ان من يعيش في هيلمان وظيفته من اكثر الناس عرضة لمثل هذا الشعور. ويحكي اللواء عمر انه يعيش الآن حياة مستقرة ولا يشعر بأنه لا يفيد في عمله، بل انه يعمل الآن كعضو مجلس الشعب عن دائرة مقادة، وكذلك وكيل لجنة الدفاع والامن القومي في المجلس، وعضو بلجنة الاسكان والتعمير والمجتمعات الجديدة وعضو لجنة النقل والمواصلات بالمجلس، حيث يؤكد ان جميع المجالات مفتوحة امام رجل الامن بعد بلوغه سن المعاش، ولكن يجب السعي، والخروج من دائرة اليأس والاحباط، والشعور بأن الجلوس في المنزل والاعتماد علي المكافأة المالية التي يحصل عليها رجل الشرطة بعد بلوغه السن القانونية هي خير الحلول، بل يجب الشعور بأن الحياة مستمرة والتأكد من ان السعي يحقق المزيد من النجاحات. ويقول اللواء محمد عباس مستشار الاممالمتحدة لمكافحة المخدرات ووكيل الادارة سابقا.. ان هناك نوعين من اللواءات فهناك من تنتهي فترة عمله في السن القانونية عند ما يصل عمره الي العام الخامس والستين، وهناك من تنتهي فترة خدمته قبل ذلك بعشر أو خمسة عشر عاما، والنوع الاول هم الاكثر اصابة بالاكتئاب والامراض النفسية نظرا لكونهم قد انتهت فترة عملهم وهم في سن متأخرة فيعتقدون ان العمر قد انتهي، ولا يستلزم منهم سوي المكوث في المنزل. يضيف اما النوع الثاني فهم الذين تنهي فترة عملهم لاي سبب من الاسباب في سن الخمسين، فيكون لديهم شعور بأن الحياة مازالت امامهم ويبدأون فترة جديدة. ويحكي اللواء محمد عباس عن تجربته الشخصية في هذا الصدد انه قد عمل بإدارة مكافحة المخدرات لفترة تجاوزت السبعة عشر عاما، ثم عمل بالاممالمتحدة، ومازال يعمل بها حتي الآن.. ولم يفكر لحظة في عدم استغلال خبراته الامنية التي اكتسبها طوال فترة عمله بجهاز الشرطة وخاصة في مجال مكافحة المخدرات. يواصل.. ان العمل الوظيفي ليس هو الاساس حتي يستكمل الشخص مسيرته، مؤكدا انه يجب استغلال هذه الخبرات والعلاقات التي اكتسبها طوال فترة عمله حتي يحقق النجاحات في مجاله، ولابد ان يتواجد داخل من تنتهي فترة خدمته الرغبة والقدرة علي الاستكمال والاستمرار في نجاحه. ويواصل اللواء محمد عباس انه فور انتهاء فترة خدمته وهو في الثانية والخمسين، فكر في استكمال مسيرته في المجال الامني، وعمل بشركة امن كبيرة ولم يكتف بذلك، بل مازال يعمل مستشارا في الاممالمتحدة لمكافحة المخدرات، مواصلة لمسيرته في المجال الذي عمل به اكثر من ثلاثين عاما. ويؤكد اللواء محمد عباس ان اهم ما يصيب من تنتهي فترة خدمته، هو الشعور بالفراغ وطول الوقت، نظرا لكون العمل الشرطي يستحوذ علي الوقت الغالب لرجل الشرطة، ولكن اذا لم يملأ هذا الوقت برسالة جديدة، بعد اعمال الفكر، فيكون هذا الشخص عرضه للعديد من الامراض النفسية، والاكتئاب المزمن. ويضيف ان الشعور الذي يمتلك البعض بعد انتهاء فترة خدمته من عدم ضمان النجاح، او العمل في مجال اقل من المكانة التي كان يتمتع بها، هو ما يوقف الطموح ويجعل الشخص يفكر في الحياة بشكل خاطئ.