ربما لا يتصور الكثيرون أن كف امرأة تونسية مستبدة هو الذي أشعل ثورة تونس التي اندلعت منذ أيام وأودت بحكم زين العابدين بن علي بعد ولاية دامت 23 عاماً.. هذا الكف الملعون الذي هوت أصابعه الخمسة علي خد الشاب محمد بو عزيزي بمدينة سيد بوزيد التونسية حينما راح يسترد عربته الصغيرة التي كان يبيع عليها الخضار من شرطة المرافق وإذا بضابطة شرطة تنهره وتصفعه علي خده بكفها الذي هوي علي خد بوعزيزي كالبركان الذي انطلقت منه حمم الغضب حينما لم يتحمل بوعزيزي هذه الصفعة من هذه الضابطة المستبدة التي استولت بالقوة علي عربته التي كان يتقوي بها علي غول البطالة ويحتمي بها من لدغات الحاجة فقام علي الفور بإشعال النار في جسده ومات بعد عدة ساعات ليكون موته زلزالاً يهز تونس كلها ونفيرا يجمع أهلها من شرقها إلي غربها ومن شمالها إلي جنوبها ليشعر هؤلاء الأهالي أن كف هذه الضابطة قد هوي علي خدودهم جميعاً فثاروا وهبوا علي قلب رجل واحد تهتف حناجرهم ضد الظلم وترتفع أصواتهم ضد القهر. كان خد الشاب محمد بوعزيزي هو تونس الخضراء كلها بيوتها وأهلها وأشجارها ومياه بحرها وكأن الصفعة التي هوت بها هذه الضابطة علي خد بوعزيزي قد هوت علي تونس كلها فأشعلت نيران ثورة شعبية انطلقت من فوق خد الشاب محمد بوعزيزي كالطوفان المتدفق أمواجاً أمواجاً.. واتسع خد الشاب محمد بوعزيزي ليسع التونسيين جميعاً بجميع طوائفهم وأعمارهم ونسائهم وأطفالهم قبل شبابهم وشيوخهم.. اندفع التونسيون متناسين الأهل والولد والعمل منتزعين الخوف من صدورهم والحرص من قلوبهم متسلحين بالتضحية الحقيقية غير مبالين بالمصير المنتظر حتي لو كان هذا المصير المنتظر هو الموت برصاص الشرطة أو السحل تحت عجلات سياراتها المصفحة. كان الشباب في الطليعة يمدون أيديهم لانتزاع فجر جديد غاب عنهم في ظلمة دامت 23 عاماً وكأنهم أيقظوا من القبور شاعرهم أبا القاسم الشابي ليقولوا له لقد أردنا الحياة كما علمتنا ولابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر وهو ما حدث فعلاً.. فلقد استجاب القدر وانجلي الليل وانكسر القيد وتحرر الشعب من ظلم طاغيته الذي فر إلي دولة أخري بعد أن أصبح تراب تونس الخضراء محرما علي قدميه وهواؤها ممنوعاً علي رئتيه. صدقوني.. إني لأتساءل متعجباً أين هذه الضابطة المستبدة التي صفعت محمد بوعزيزي علي وجهه؟ أين هي؟ وأين مكانها؟ ولست أدري ماذا سيفعل الشعب التونسي بها؟ هل سيشكرها علي صفعتها لمحمد بوعزيزي التي كانت فاتحة خير لتونس كلها وبوابة لثورتها الشعبية التي فتحت نوافذ الحرية والديمقراطية للشعب التونسي الشقيق؟ أم أن الشعب التونسي سيقطع هذه اليد بالقانون والقسطاس المستقيم؟ لست أدري هل هذه الثورة التونسية الشعبية هي التي تنبأ بها ابن تونس وشاعرها الشاب أبوالقاسم الشابي حينما قال إذا الشعب يوما أراد الحياة.. وكأن الشعب بغير ثورة ضد الظلم والقهر والاستبداد يكون ميتاً.