تستقبل محافظة جوبا السفلي (كيسمايو) الواقعة أقصي جنوب البلاد يوميا هاربين من جحيم المعارك الدائرة في مقديشو العاصمة بمعدل 21 سيارة في الأسبوع تنقل النازحين من العاصمة إلي مخيمات اللاجئين في كينيا عبر بلدة طوبلي الحدودية. ويرتبط النزوح الجماعي هذا ببدء المواجهات المسلحة في العاصمة مقديشو بين حركة الشباب المجاهدين والقوات الحكومية المدعومة بقوات حفظ السلام الأفريقية (أميسوم). وفي هذا الصدد يقول فرحان محمود عبد الله الذي يشرف علي "مخيم مقديشو" في كيسمايو للجزيرة نت: إن النازحين من العاصمة أنشأوا قبل سنتين مخيم مقديشو في كيسمايو فرارا من القصف المدفعي الثقيل للقوات الأفريقية "الذي يصيب بلا رحمة الكثير من المدنيين". وأضاف عبد الله أن نزوح سكان مقديشو من بيوتهم سببه وجود قوات أميسوم فيها واستخدامها العنف غير المبرر ضدهم.واسترجع عبد الله مآسيه قائلاً: "شاهدت في مقديشو مقتل ستة من الأطفال جراء سقوط قذيفة مدفع أطلقتها قوات أميسوم، وقد نجا من تلك المجزرة أبوان وطفل واحد، كما فقدت الأم عينيها جراء هذا القصف"، مشيرا إلي أن هذه الأسرة فرت إلي مخيمات اللاجئين الصوماليين في كينيا بحثا عن أمان. وأضاف أن هذه التصرفات من قوات أميسوم أجبرتنا علي الفرار من بيوتنا في مقديشو إلي المناطق الآمنة رغم معاناة النازحين من مشاكل أخري في المناطق الآمنة، كالظروف المعيشية القاسية وغياب التعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب. وهي أم لثمانية أطفال وواحدة من آلاف الأسر الصومالية الهاربة من مقديشو- معاناتها للجزيرة نت وكيف اضطرت للهرب بأطفالها من مقديشو جراء القصف المدفعي "المنطلق من قواعد أميسوم باتجاهنا الذي حصد أرواح المئات من الأبرياء". وتضيف فاطمة محمد أن قصف سوق بكارا والأحياء السكنية في مقديشو من قبل قوات أميسوم كان مرعبا "وهو كابوس يلاحقني كلما أتذكر أشلاء المواطنين الممزقة الذين سقطوا قتلي بلا ذنب، إنه عمل بربري". تقيم فاطمة محمد مع أطفالها في كيسمايو منذ 14 شهرا بعد أن فقدت زوجها، غير أن أوضاعها المعيشية ليست ميسرة بسبب انعدام أبسط ضرورات الحياة، فبيوت النازحين مصنوعة من المواد المحلية التي لا تقيهم بردا ولا حرا. ورغم الوضع القاسي وضيق ذات اليد، فإن فاطمة محمد ممتنة لنعمة الأمن والاستقرار التي تعيشها في كيسمايو، فما حققته حتي الآن هو العيش بسلام بعيدا عن قصف أميسوم.المحلل الصومالي عبد الرشيد ورسمة بري يري أن عوامل أخري تكمن وراء النزوح الجماعي ومنها فقدان الشعب الصومالي ثقته، حيث الجميع يهرب من وطنه تحت ذريعة الابتعاد عن الفوضي الأمنية. وقال عبد الرشيد للجزيرة نت إن التجار فروا إلي كينيا نتيجة انعدام الثقة وخوفهم علي أموالهم، وتحول هذا الخوف لدي الناس إلي ظاهرة اجتماعية نتيجة غياب دولة صومالية قد تحيي الأمل فيهم، مشيرا إلي أن فئة الشباب بين الهاربين إلي كينيا تشكل نسبة 90%. وأضاف بماذا نفسر نزوح الناس من المناطق الآمنة في جنوب الصومال إلي مخيمات اللاجئين في كينيا إلا بانعدام الثقة عندهم، مشيرا إلي أن عوامل أخري كالبطالة وغياب الخدمات الاجتماعية، إضافة إلي الكوارث الطبيعية، ربما تكون وراء موجة النزوح الجديدة من جنوب الصومال نحو كينيا.