من عناصر نجاح أي عمل التخطيط الجيد ثم التفاعل مع المستفيد والوصول إليه بشكل ميسر، بما يحقق طموحاته وهذا ما لمسته بالفعل حين شاركت مؤخرا في ندوة تحت عنوان "رؤية الشباب حول المشاركة السياسية" فالندوة حضرها مئات من الشباب النشطاء في العالم الافتراضي، تم توفير وسيلة الانتقال الكريمة لهم كما تم السماح لممثلين عنهم بمشاركة شخصيات عامة في الجلوس علي المنصة..حيث جلس عليها اللواء أحمد فخر رئيس مجلس أمناء مركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية، والدكتور عبد الرازق سليمان مدير برنامج الثقافة الشبابية بالمركز والصحفيين عبد الجواد أبوكب وهشام عاطف ومدير الندوة (كاتب هذه السطور)، في حين اعتذر لانشغاله بمؤتمر دولي المدير التنفيذي للمركز اللواء دكتور عادل سليمان. كان اختيار الموضوع وتوقيت طرحه موفقا، ولكن كان الأكثر توفيقا هو سعي المركز- وهو"مركز تفكير" تأسس عام 2004- للاستماع لأفكار الشباب والتحاور معهم بدلا من القاء المحاضرات الجافة عليهم، فإذا كان مبلغ طموح كل مثقف عربي غيور هو تطور الأمة، فإن الندوة نجحت بالفعل في خلق حالة من "العصف الذهني" حول قضية مشاركة الشباب السياسية للوقوف علي الأسباب الحقيقية لعزوف الشباب عن المشاركة من خلال استكشاف وتحليل آراء ومفاهيم ومواقف الشباب تجاه قضايا الوطن. ومن المحاور التي أود الوقوف أمامها بمزيد من التحليل والنقاش تأكيد الحضور علي أن هناك روافد عديدة تمكننا من تحقيق طفرة علي صعيد مشاركة الشباب علي رأسها التعليم، بالإضافة لمزيد من الدعم لحرية التعبير لكونها "حرية التعبير أوسع من حرية الكلام وهي مرتبطة بمفهوم الديمقراطية، وتعتبر حجر الزاوية في الحقوق الديمقراطية، كما أنها مرتبطة بالتسامح كقيمة أساسية للمجتمع (بالكتابة أوالأعمال الفنية كالرسم أوالموسيقي ) بحيث لا يتعارض هذا أويكون فيه انتهاك للقوانين والأعراف، أويتضمن محظورات قانونية أو اجتماعية". فحرية التعبير توفر مصداقية وشفافية وديناميكية تحفز الشباب علي المشاركة..وتبعد عنهم هواجس سلبية ترسخت عبر سنوات طويلة. وعلي هذا لا يجب عند وضع ضوابط لوسائل الإعلام أن يستشعر الشاب التضييق والرغبة في إحكام القبضة علي بعض المنابر. وإنما يكون سبيلنا لضبط الإيقاع هو التفنيد والرد والاقناع من خلال المتخصصين والموهوبين. كل هذا يساعد علي تصحيح مفهوم خاطئ لدي غالبية الشباب يرسخ الزعم بأن السياسة إما "ترف" وإما "خطر" علي العامة. فواقع الحال يوضح لنا أن السياسة ترتبط بشكل وثيق برغيف العيش ومستوي المعيشة وهي ضمانة للحصول علي حقوق وفرص متساوية، وهي أداة فعالة لتحقيق مبدأ المراجعة والمحاسبة. الآراء التي تم طرحها بالندوة تحثنا علي العمل علي تمكين السلطة التشريعية بجناحيها (شعب وشوري) والأجهزة الرقابية والمجالس الشعبية المحلية من تحقيق أداء مختلف لا يدعو للرتابة أو اليأس والقنوط.. ويمكن في هذا الإطار دراسة آليات متطورة مما يدخل الحماس، ويزرع الأمل من جديد في قلوب المتشككين أو الصامتين. علي أن يتم بموازاة هذا منح صلاحيات أكبر لمجلس الشوري وكذا المجالس المحلية. الهدف هوإقناع جيل الشباب بأن من يروجون لصراع الأجيال -وهذه معضلة عالمية- علي طريقة" جيل لا يريد أن يرحل وجيل لا يريد أن يصبر" مخطئون وأن السبيل لحل أزمة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية وسلبيته شريحة عريضة منه علي كل الأصعدة هوالدمج والإحلال ونقل الخبرات. مع التأكيد علي أنه لا يزال هناك أمل في الوصول لما نصبو إليه من تحسين وتطوير ويمكن في هذا السياق التذكرة بالنماذج الإصلاحية والمشرفة الموجودة في كل حزب وتيار، ومطالبة الشباب بدعم تلك الكوادر خاصة أن الانتخاب الفردي يوفر لنا حرية حركة أكبر عند الاختيار. ويجب في هذا الإطار تفنيد مقولات خاطئة منها أن السياسة خطر داهم علي من يمارسها ولو بالمشاركة بعضوية حزب أو الإدلاء برأي أو حتي التصويت في الانتخابات. وكذلك الرد علي من هم علي قناعة بأن السياسة لا تمس بشكل مباشر رغيف الخبز وتكافؤ الفرص عند التقدم لوظيفة أوللحصول علي ميزة أو خدمة حكومية. مع التأكيد علي أن من لديه موهبة أوقدرات خاصة أو تميز يظهر عليه النبوغ في سن مبكرة حتي لا يستشعر الشباب بأن رأيه ودوره وقدراته غير جدير بالإسهام في التطوير والتحديث. مصر لا تزال تمتلك مقومات التقدم والازدهار التي ترسخت فوقها الحضارة الفرعونية: الموقع، ونهر النيل، والعقيدة الدينية والمناخ المعتدل، والمواد الخام، والإنسان المصري. وهوما يجب إبرازه لنحاصر اليأس والاحباط المتفشي وسط قطاعات من الشباب. مع التحذير في الإطار ذاته من ابتعاد الشباب عن الحياة العامة والعمل القانوني المنظم في أجواء صحية الأمر الذي قد يسهل لأصحاب الأفكار الهدامة والعمل السري العنيف استقطابهم. نقطة الانطلاق -حسبما اتضح لنا من محاورة الشباب - هي اقتناعهم بأن مشاركتهم هي ضمان حقيقي لعدم تزوير الانتخابات، لأن المشاركة الضعيفة تتيح الفرصة للتزوير وتحجيم الدوائر وسيادة القبلية. وتحفيز الشباب علي دعم كل مجموعة إصلاحية يرونها نزيهة وأمينة وجادة ومؤهلة داخل حزب أوتيار سياسي حتي تتكاتف هذه المجموعات بمشاركة الشباب وتشكل مستقبلا أفضل لمصر. مع تضافر الجهود بين الجامعات والمراكز البحثية الوطنية المستقلة ووزارة الثقافة والمجلس القومي للشباب لرسم استراتيجية متكاملة لتثقيف الشباب. [email protected]