الكثير من الشباب يعملون منذ أكثر من عشر سنوات في هيئات وزارة الثقافة ولم يتم تثبيتهم علي درجات مالية حتي الآن ولا يزيد أجر كل منهم عن عشرة جنيهات يوميا.. رغم انهم يقومون علي رعاية تماثيل ولوحات بالمليارات نقيب المحامين ذهب كل ما في دربه للحديث عن السرقة الكبري للوحة " زهرة الخشخاش " التي أبدعها الفنان " فينسنت فان جوخ " وله لوحات أخري قيمة أفاقت عليه يديه بها.... حيث عاش فقيراً ومات علي ذلك ولم يهنأ بلوحاته التي أبهرت العالم وأصبح اسمه يدرس في جامعات العالم ... هكذا الفنان الذي يعيش من أجل الآخرين ولا يتم تكريمه سوي بعد قرون من مثواه الأخير ... وزهرة الخشخاش من أعظم لوحاته الفنية التي شاهد العالم من خلالها وبنظرة ثاقبة جاءنا الإبداع باقتناء محمد محمود خليل هذه اللوحة من الخارج إلي بيته العتيق بمصر الذي أضحي أشهر البيوت الفنية في العالم .. كما اقتني لوحة الحياة والموت " لجوجان " وهي معروضة بالمتحف .. الفنان العبقري والسياسي المخضرم والوزير المسئول محمد محمود خليل الذي تولي وزارة الزراعة 1937 أي بعد عام واحد من ولاية الملك فاروق أيضاً تولي رئاسة مجلس الشيوخ ثلاث دورات لم يشغله ذلك عن طموحاته الفنية التي أرسي قواعدها في مصر والأمير يوسف كمال في العصر الحديث .. فكان لبلادنا طعم ولون في هذه الحقبة التاريخية حتي ثورة يوليو التي جمدت الفنون وقتاً طويلاً إلي أن تم إحياؤه عقب نصر أكتوبر 73 لقد وهب محمود خليل وحرمه حياتهما من أجل الفن وكرسا مالهما من أجل التجوال حول العالم لشراء أعظم اللوحات حتي قصرهما وهباه لعاشقي الإبداع التشكيلي ملكاً للدولة .. حتي أضحي مزارا عالميا يعرف قيمته الأجانب أكثر من العرب وحرصت الحكومة الثقافية في مصر علي تجديد المتحف منذ عشر سنوات حتي خرج بهذه الصورة التي نراه عليها اليوم، فإلي جانب عمارته وفنه تجمله المساحات الخضراء والورود والأشجار في تحفة فنية لها جمال الصورة ..! لقد تعرضت زهرة الخشخاش للسرقة عام 1977 ولأنها لوحة خالصة وفلوسها من حلال فقد تركها اللصوص بجوار حائط بعد عام قبل إبلاغ الشرطة عن المكان .. وعادت اللوحة بكامل جمالها وبهائها ورونقها إلي بيتها في المتحف العتيق محمود خليل بالجيزة .. أما السرقة الثانية فتمت في 21 أغسطس من هذا العام علي أيدي لصوص معدومي الضمير وهم محترفون وعالمون ببواطن الأمور وليسوا مثل لصوص الإجرام الذين يسرقون الغسيل من شرفات المنازل أو الذهب من محلاته ولكنهم تخصص مقتنيات مثل لصوص الآثار .. ومازال الفاعل مجهولاً وسيظل ردحاً من الزمن كذلك والتهمة الموجهة لرئيس قطاع الفنون التشكيلية هي الإهمال في المحافظة علي مقتنيات الدولة وهو نفسه الذي خاطب وزير الثقافة أو مدير مكتبه منذ سنوات بضرورة تحديث دوائر إحكام متاحف مصر الفنية التي تزيد علي ثلاثين متحفا وعرض لذلك 40 مليون جنية ولم تعطه الدولة سوي نصف مليون جنيه وهذا الرجل أو كبش الفداء " محسن شعلان " معذور في أشياء كثيرة منها عجز ميزانية وزارة الثقافة في تثبيت العمالة المؤقتة التي تدير هذه المتاحف من أمناء وحراس أمن تصوروا أن عشرات الشباب يعملون منذ أكثر من عشر سنوات ولم يتم تثبيتهم علي درجات مالية حتي الآن ؟! ومتحف محمود مختار خير شاهد علي ذلك ؟! ثم إن رواتبهم لا تتعدي العشرة جنيهات في اليوم الواحد وهم يقومون علي رعاية تماثيل وألواح تفوق المليارات ؟! كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ .. والماء فوق ظهورها محمول ... ثم إن وزارة الثقافة تطلب بعد ذلك الحماية والرعاية ؟! إذا أردنا أن نحترم الفن ونقدره كدخل للدولة من الأجانب فعلينا إفاقة الموظفين الذين يقومون علي مثل هذه الأعمال ..لقد لجأ متحف محمود مختار بالأوبرا إلي إقامة كافتيريا للزوار تزيد دخل المتحف الذي تحاسب الوزارة أمينه علي كم الدخل وليس الكيف حتي يستمر في موقعه .. ثم أن شعلان الرجل الفنان القدير الذي كرس حياته في خدمة الفن ليس وحده شريكاً عن هذه السرقة الكبري التي شوهت صورتنا أمام العالم وتناقلتها الأقمار الصناعية كرمز لتخلف دول العالم الثالث وتجاهل القدرة علي رعاية وحماية الفن .. مليار دولار وضعها اللص في يده أو حقيبته بعد أن سلخها عن البرواز وخرج بها خروج الأبرياء بعد أن قتل القتيل ومشي في جنازته .. إن المنظومة الثقافية في مصر تحتاج إلي إعادة هيكلة أما اللوحة فقد تعود يوماً ما كما عادت بعد عام من سرقتها سنة 1977 من نفس متحفها .. ولكن علينا أن نرتب أوراق الثقافة عامة خاصة في قطاع الفنون التشكيلية الذي افتري عليه الجميع فهذه ليست أول سرقة تحدث أو حتي الثانية ولكن قبلها تمت سرقة لوحات هامة من قصر محمد علي باشا بشبرا الخيمة وبعدها تم تجديد المتحف .. ولكن متحف محمود خليل وحرمه من أشهر المتاحف المصرية وتوليه الدولة عناية فائقة وهذا الحادث الفردي الذي يعد ظاهرة تحتاج إلي ضخ دماء جديدة ترعي الثقافة في مصر وتحرص علي مقتنياتها سواء في قصور الثقافة كي لا تحترق كما حدث ببني سويف أو الفنون التشكيلية والسرقات التي تكررت عبر العقود الأخيرة من العصر المعاصر .. وحماية آثارنا الفرعونية والإسلامية والقبطية حتي لا نسمع أن أبو الهول تم سرقته كما سرقت أنفه البالغة 7 أمتار قبل ذلك أو يتعرض المتحف الكبير لأي محاولات أو نري آثار الأقصر في تناقص مستمر .. المسئولية هي مسئولية منظومة الثقافة جميعها ولا يجب أن نعفي منها أحداً، فالكل مسئول أما شعلان كبش الفداء فهو أحد الأفراد وليس جميعهم .. والحراس والأمناء علي المتحف معذورون لانشغالهم بإعداد طعام الإفطار والتفكير في هذا الجو المحرق في صوم ندعو الله أن يثبت الأجر .. ثم أن كاميرات المراقبة المعطلة مسئولية الشركة التي تقوم بصيانتها ومهمة العامل عليها الإبلاغ فور التوقف فقط وهذا ما تم .. إن اللص المحترف الذي قام بسرقة اللوحة من بروازها ليس شخصا عاديا ولكنه استغل كل الظروف التي تهيأت له لكي يفعل فعلته ولن يعود لسرقة لوحة الحياة والموت لجوجان التي توجد في نفس المتحف وحركة الطوارئ التي عمت جميع المتاحف والآثار المصرية لن تستطيع التوصل إلي الجاني لأنه فعل فعلته وهرب ويا سعده يا هناه حتي يهربها خارج البلاد وليس الآن لطوارئ المواني والمطارات ولكن في الوقت المناسب بعد أن تهدأ العاصفة وينشغل الرأي العام بقضية أخري وأستطيع أن أجزم بأن اللوحة حتماً ستعود بعد عام كما حدث عند السرقة الأولي أو بعد عامين لأن مبدعها " فان جوخ " عاش حياته جائعاً مشرداً بثياب بالية ولاقي ربه وهو مقطوع الأذن بجسد نحيل فلم يهنأ بعراقة فنه وحياته الإبداعية التي يدرسها طلاب فنون العالم علي أيدي أساتذة منهم من حصل علي الدكتوراه في هذه اللوحة العتيقة ..فإن هذا الفنان قضي حياة قاحلة جرداء لا زرع فيها ولا ماء وما له وآثاره حلال فلن تذهب للصوص كما أن الوزير الفنان محمد محمود خليل الذي اقتني هذه اللوحة ووضعها في بيته ضمن أشياء كثيرة من اللوحات والمقتنيات من التحف والخزف أخلص للفن وكرس حياته له رغم مناصبه السياسية التي تولاها .. ما سقناه يعد مؤشراً حقيقياً علي عودة هذه اللوحة النادرة في وصفها للعالم الذي نعيشه والحياة التي نحن بصددها .. ولكن تغيير المنظومة أمر ضروري خاصة أحوال العمالة المؤقتة والتغييرات المستمرة ثم إن وزير الثقافة الفنان فاروق حسني يجب عليه أن يهتم أكثر بقطاع الفنون التشكيلية لأنه متخصص فيه وله لوحات رائعة الجمال ... إن ثروة مصر الثقافية يجب الحفاظ عليها حتي لا تذهب مع الريح كما ذهبت لوحات متحف محمد علي وأنف أبو الهول ونبكي بعد ذلك علي اللبن المسكوب ونندب حظنا الثقافي الذي ضاع جزء منه في انتخابات اليونسكو.