يشكل القمح العامل الرئيسي في تشكيلة الغذاء التي لا يمكن الاستغناء عنها. لم يتوقف الحديث أبداً طوال سنوات عن مدي إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح دون أن ننجح في ذلك ويظل الأمر مجرد موضوع للجدل والإثارة كلما جدت مناسبة كنقص المحصول محلياً أو تعثر تدبير باقي احتياجاتنا من الخارج. الغريب في الموضوع أن ما يدور من مناقشات حول مشكلة القمح لا يختلف كثيراً عن الأحاديث حول إخفاق المنتخب القومي لكرة القدم في بداية أية تصفيات دون أن نصل لسبب المشكلة وكأننا نبحث عن دواء لمرض لم يتم اكتشافه بعد رغم أن العالم كله قد شخص المرض وحدد علاجه مما يدعو للتأمل هل بتنا أعجوبة لا ننجح في حل أي مشكلة نواجهها وبات محرماً علينا أن نشعر بسعادة من نجح في مواجهة مشكلة ما. غير أن الأمر بالنسبة للقمح يتعلق بأكل الناس اليومي وبقضية الغذاء حيث يشكل القمح العامل الرئيسي في تشكيلة الغذاء التي لا يمكن الاستغناء عنها وهذا هو الأمن الغذائي الذي يشغل بال الفرد والأسرة والمجتمع كله ورغم ذلك شاهدنا الضجيج والارتباك الذي أصاب الحكومة لمجرد أن روسيا أحد منتجي القمح الكبار في العالم وأهم مصدريه لنا لن تتمكن من الوفاء بتعهداتها وتوريد القمح المتعاقد عليه لظروف مناخية طارئة. وغاب عن ذهن من ارتبكوا ماذا يمكن أن يحدث لو تناقص إنتاج القمح في الدول المصدرة لأي سبب? أو ماذا يمكن لنا أن نفعل لو توقف تصدير تلك الدول للقمح رغم وفرته في مواطن زراعته بسبب إرادات سياسية لتلك الدول التي لا تتحقق مصالحها مع التصدير لنا? أليس من الممكن أن يحدث ذلك في الواقع? المنطق يؤكد إمكانية ذلك لأن استمرار تلاقي المصالح السياسية أمد الدهر أمر مستحيل. ومن هنا تتأتي أهمية مواجهة تلك المشكلة المرتبطة بالأمن الغذائي بتوفير حلول ذاتية وأن نتوقع لتلك الحلول النجاح لأننا نملك أدواته، لدينا مراكز بحثية متخصصة في الزراعة، وخبراء وعلماء يقدمون دراسات محترمة، ووزارة مسئولة عن الزراعة وهنا يصبح السؤال مدهشاً ولم لا ننجح رغم ذلك?! أولاً: لابد من الإرادة السياسية التي تتخذ قرار تحقيق الاكتفاء الذاتي وفرضه علي كل الأطراف المشاركة في التنفيذ لأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح يحقق الأمن الغذائي المنشود والذي لا يمكن فصله عن مفهوم الأمن القومي الذي يتسع ليشمل كل مستلزمات إنجاز سعادة ورفاهية المواطن في مصر المحروسة. ثانياً: لابد من خطة واحدة معلنة تتحدث عن معطيات المشكلة بشفافية حتي لا تتصادم البيانات والإحصاءات التي يتم تداولها بهذا الخصوص، وطريقة الحل والمدي الزمني المطلوب لتنفيذ الخطة لتلتزم بها الحكومة وتسأل عنها حتي لو تغير الوزير حتي لا نري وجهات نظر متضاربة بين الوزراء المعنيين بالملف نفسه ومن ذلك ما صرح به المهندس أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق بأنه يمكن لنا أن نحقق الاكتفاء الذاتي بنسبة 85% علي الأقل حتي عام 2017م ثم يدخل علي الخط وزير الزراعة الحالي المهندس أمين أباظة ليؤكد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% أمر مستحيل. علينا أن نواجه مشاكلنا بصدق وجرأة وأن تتحمل كل الأطراف مسئولياتها وأن نغلب مصلحة الوطن علي مصالحنا الذاتية حتي لا يأتي وقت يكلفنا الحل ما لا طاقة لنا به أو نردد في أسي فات الميعاد.