فى جائزة الشارقة للإبداع العربي والتي وزعت جوائز دورتها ال 19 يوم 18 إبريل الحالى وشرفت بإلقاء كلمة الضيوف في حفل الافتتاح..رأيت ما لايوجد في أي جائزة أخرى. شباب في العشرينيات يتحولون إلى باحثين . وخلال يومين وعبر أربع ورش علمية جلسنا في مواجهتهم ننصت إلى ماتوصل إليه هؤلاء الصغار من رحلة البحث المضنية حول موضوعات أدبية ونقدية شائكة تتعلق بالشعرية العربية ..المعيار.. المفهوم .. المرجعيات المعرفية والفلسفية ..المحددات ..التحولات الآفاق.. والمدهش أنه رغم كونه محوراً يتعلق بالقصيدة ..إلا أنه وطبقاً لمنظومة المسابقة شارك في رحلة البحث المضنية هذه شباب من كتاب الرواية والقصص القصيرة والمسرح وأدب الأطفال.. المنصة كانت تضم أربعة كبارا . الدكتور عمر عبد العزيز رئيس تحرير مجلة الرافد الثقافية ..الناقد والأكاديمي صالح هويدي .. الروائي عبد الفتاح صبري مدير تحرير مجلة الرافد ..الناقد والشاعر مصلح النجار نائب رئيس الجامعة الهاشمية في الأردن ..بالإضافة إلى كاتب هذه السطور .. أهذه ظاهرة إيجابية ؟ إن نزج بشباب في العشرينيات ..في رحلة بحث عن جذور قضايا أدبية عميقة كالشعرية العربية .. الأديب عبيد عباس والفائز بالجائزة الثانية في القصة القصيرة يجيب :نعم ..لكن على أن تكون الأبحاث في مجال إبداع الفائز ..الروائي يبحث في أمور تتعلق بالرواية ..الكاتب المسرحي يبحث في أمور الشعر وهكذا تقليد قديم الناقد والأكاديمي د. صالح هويدي ..وهو أحد المسئولين عن تنظيم مسابقة الشارقة للإبداع العربي في معرض حديث يعود بنا إلى جذور هذا التقليد الذي تنفرد به مسابقة الشارقة دون غيرها من المسابقات العربية والعالمية .. وهذا ما قاله : يرجع إلى بدايات انطلاق الجائزة، وأحسب أنه تقليد غير مسبوق في شكله وتفاصيله في الجوائز العربية التي عهدناها.أما على المستوى العملي، فقد كانت ثمة تفاوت ملحوظ بين مستوى الأوراق المعدة من قبل الفائزين، من دون أن يحول ذلك دون وجود أوراق ناضجة. لكن القاسم المشترك الأكبر بين المحاولات كان يشير إلى حالة القلق التي كان مبعثها أن الإعداد المنهجي البحثي في موضوع أدبي، قد يقع خارج اهتمام الفائز من شأنه أن يربك المكلّف به. فقد يتلقى الفائز في فرع النقد الأمر على نحو طبيعي إذا ما طلب إعداد بحث في موضوع (الشعرية العربية)، لكنه لن يكون كذلك مع كاتب القصة الشاب، أو الشاعر، أو الروائي، أو كاتب المسرحية، أو من يكتب في أدب الأطفال، لا سيما أن من بين الفائزين شبابًا، لم يتجاوزوا العشرين من العمر. لكن من الحق القول إن عددًا منهم، إن لم يكن جميعهم، قد شعر بفائدة قيامهم بهذه التجربة لاحقًا، لا سيما أن كل محاولة من محاولات الشباب، سيسلط الضوء عليها في أعمال الورشة العلمية، وتناقش من قبل جميع المشاركين ومع ذلك فإن آفاق البحث عن سبل أكثر إفادة أو ملاءمة لهذه المواهب الشابة، يبقى أمرًا مطروحًا ومشروعًا، لا شك في أن إدارة الجائزة ستكون حريصة على سماعه والتحاور بشأنه. قلق وفاء وبالطبع ..هي ظاهرة فريدة ..وأظنه تقليداً مجدياً للغاية ..يقينا شاب في مقتبل عمره حين يفاجأ بتكليفه بإعداد بحث عن قضية شائكة حول الشعرية العربية أو المدينة في الرواية العربية ..سينتابه شعور جارف بالقلق ..وهذا ما لاحظته مع الكاتبة وفاء أحمد محمد مستجاب » جدها الروائى الكبير محمد مستجاب » ..فبقدر إعجابي بها حيث فازت بالجائزة الثالثة في أدب الطفل ..رغم أنها مازالت طالبة ولم تتجاوز العشرين من عمرها إلا أنني كنت مشفقا عليها ..لما تعانيه من قلق وتوتر ..حتى إنها لم تذق طعم النوم طيلة الليلة التي سبقت إلقاء البحث ..وبدا التوتر جليا وهي تأخذ مكانها في مواجهة المنصة لتتحدث عن بحثها ..وبذلت وغيري جهداً كبيراً لتشجيعها ..وقلت لها إن القرار الذي يمكن أن يكون الأسوأ في حياتها الانسحاب ..لابد من المواجهة وخوض التجربة ..هذا سيمنحها قدراً كبيراً من الثقة في النفس ..وكان بحثها حول بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة ..موضوع صعب ومرهق للكبار.. فما بالك بكاتبة لم تبرح العشرين من عمرها بعد..خاضت الوفاء التجربة ..بنجاح ..وواجهت المنصة رغم أسئلتها الشائكة بقدر من الثقة يؤهلها للمضي قدماً ليس فقط على طريق الإبداع في أدب الطفل ..بل ربما في النقد الأدبي .. وليست وفاء وحدها التي جذبت انتباهي بصغر سنها..وتميزها الإبداعي ..بل هناك أيضا الشاعر السيناوي محمد إسماعيل سويلم ..طالب بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ..وفاز بالمركز الثالث في مسابقة الشعر.. كلهم كبار والفائزون ال19بجوائز الشارقة للإبداع الروائي العربي ..ليسوا جميعاً صغاراً ..منهم من يقترب من الأربعين ..لكنهم جميعا ينعمون في دواخلهم بمنطقة لامرئية تشع إبداعاً حقيقيا ..وثمة شهادة لاتقبل الشك ..جوائز الشارقة ..وهذا ما الححت عليه في الجلسة الافتتاحية حين شرفت بإلقاء كلمة الضيوف ..لحظتها استحضرت شعوراً جميلاً سكنني منذ 17عاماً ..حين تسلمت رسالة من دائرة الشارقة للثقافة والإعلام تبشرني بفوز روايتي الخليفة بالمركز الثاني ..بشرى خصبت روحي بالثقة ..بالاطمئنان أنني روائي حقيقي ..لقد منحوني الجائزة ولاأحد يعرفني من لجنة التحكيم ..ولقد كان هذا شعور كل الفائزين بجوائز المسابقة الذين التقيت بهم في الشارقة ..كل مطمئن أنه مبدع ..فاز بجائزة ..لاعلاقة له بمانحيها .. وحين فزت بالجائزة كانت المسابقة متاح الاشتراك بها لكل المبدعين العرب أياً كان السن ..مما جعل التنافس صعباً وشرساً ..ولقد فعل ما نحو الجائزة الصواب بعينه حين قصروا الاشتراك بها على من هم دون الأربعين ..إنها مسابقة للإصدار الأول ..ولا يعقل ان يشارك بها من هم فوق الأربعين ..