حين تصبح كرة القدم هي المحور الأول في علاقتنا الخارجية خاصة مع اشقائنا العرب، وحين تصبح هي التي تفرض علينا محبة هذا وكراهية ذاك أو مصالحة هؤلاء وخصام اولئك فإننا نكون قد وصلنا إلي مرحلة الخطورة التي لا يمكن السكوت عليها فما كدنا ننتهي من خصومتنا مع الجزائر بسبب مباراة في كرة القدم حتي بدأنا خصومة ألد مع تونس لنفس السبب ولا أعرف أين ستكون محطتنا القادمة ومع أي شعب آخر من الاقطار العربية؟ طالما بقيت كرة القدم هي البوصلة التي تحدد لنا الطريق الذي نسكله في علاقتنا مع الدول العربية الشقيقة إن محبة أو كراهية! فما حدث في مباراة الجزائر أو تونس أقل بكثير مما حدث في مباريات محلية كثيرة كان آخرها ما وقع من شغب جماهيري في مباراة كرة اليد بين الأهلي والزمالك في الجزيرة فقد اشعلت نيران، وتحطمت سيارات وجرح أشخاص واصيب مواطنون بالفزع حين تطور الشد ليصبح اقرب ما يكون إلي حرب شوارع بين جماهير الناديين المصريين. هكذا إذن هي جماهير الكرة، وهذا هو حالها سواء في الداخل أو الخارج وبغير هذه النظرة سوف نخسر الكثير دون ان نحقق مكسبا واحداً من وراء حملة غوغائية تشبه تلك الحملة التي اعقبت احداث مباراة مصر والجزائر في الخرطوم، والتي جاء تقرير الاتحاد الدولي حولها ليدين الطرف المصري ويعاقبه علي بدء حملة العنف بين الجانبين وكل ما اتمناه ألا تصل الامور بيننا وبين تونس الآن إلي ما وصلت إليه مع الجزائر والتي لم نتوصل حتي اليوم إلي الطريق الصحيح لمعالجة آثارها المدمرة علي مختلف الاصعدة حين تحول الصراع بين فريقين في كرة القدم إلي صراع بين دولتين وشعبين شقيقين. ولكن ما أكثر ما يؤسفني هذه المرة أن الطرف التونسي أحسن التصرف في الأزمة بالشكل الذي كان ينبغي علينا نحن حين وقعت الأحداث في مباراة الجزائر، فلو كان الاتحاد المصري لكرة القدم والجهاز الفني للمنتخب قد أصدر بيانا مثل البيان الذي أصدره الاتحاد التونسي أو مجلس إدارة فريق الترجي يشجب فيه ما وقع من عنف من جماهير الترجي في ملعب القاهرة ويأسف للجانب المصري ما كانت الأمور قد تطورت إلي ما وصلت إليه من عداء وخصومة بين مصر والجزائر بعد أن قامت بعض الجماهير المصرية بالاعتداء علي اتوبيس اللاعبين الجزائريين قبل مباراة القاهرة وهو ما ردت عليه الجماهير الجزائرية في مباراة الخرطوم ولو كان الطرف المصري قد تصرف في الأمر بالطريقة التي تصرف بها الطرف التونسي بذكاء ودبلوماسية وليس بالتشنج والعنترية التي تصرفنا نحن بها مع الطرف الجزائري لما وقع ما وقع وعدنا لنندم عليه ونلوم انفسنا بسببه. ولا شك في أن ما وقع من الجماهير التونسية في ملعب القاهرة نتحمل نحن جزءاً كبيراً من المسئولية عنه، حين انصرفت جهود رجال الأمن المصري لضمان الانضباط بين صفوف الجماهير المصرية ولم تول نفس القدر من الاهتمام لضمان الانضباط بين الجمهور التونسي وهو ما سمح لهم بإدخال الصواريخ والمواد المشتعلة وغيرها مما يمكن استعماله في اظهار العنف.. حتي حينما بدأت الجماهير التونسية في التحرش الذي سبق مظاهر العنف الأخري كان علي رجال الأمن المصري أن يسارعوا بالتعامل معهم بنفس الطريقة التي يتعامل بها هؤلاء مع مظاهرات المعارضين في شوارع القاهرة وبقية المحافظات الأخري! مرة أخري.. انها صراعات ومظاهر عنف وخروج علي القانون في احد ملاعب الكرة، ولا ينبغي علينا أن ننتقل بها إلي خارج الملعب وعلي صفحات الجرائد وفي برامج الفضائيات الغوغائية مع الوضع في الاعتبار علاقات تاريخية ومصالح كثيرة مشتركة تربط بين شعبين شقيقين ولا شك في أن الخروج بالصراع من ملعب الكرة إلي الهواء الطلق هنا أو هناك سوف يجرنا إلي الموقف الذي يجبرنا علي الندم والاسف ولا أرجو أن نجد انفسنا في هذا الموقف في يوم من الأيام خاصة وأننا قد جربنا قسوته علي نفوسنا وكرامتنا مع الجزائر!