لمع نجمه في أدوار الشر وإن كان في الأساس هو نجم فكاهي من الدرجة الأولى، وعادة ما كان يمزج دور الشر بالفكاهة، أو يربطه بأفييه ساخر، وحده الذي تمكن من إقناع عبد المنعم إبراهيم أن عُلبةً تكفي لخاتم ذهبي قد تحوي بداخلها فيل. «توفيق الدقن» الرجل الذي وهب نفسه للإبداع، منذُ أن أدى صلاته الأولى في محرب الفن، فتتسلط عليه أضواء الشهرة من شخصيات جسدها الدقن دون أن يعلم أن إتقانه لهذه الأدوار سينهي حياة والدته، معتقدة أن ابنها مجرم ذائع الصيت. الخميس، 26 نوفمبر(2015)، ذكرى وفاة توفيق الدقن ال27، أحد أشهر ابناء جيله في تصدر الشاشة الذهبية في أزهى عصورها، 33 عامًا من العطاء والإبداع منذ أن طرق باب التمثيل في خمسينات القرن الماضي حتى وفاته عام 1988 تاركًا 233 فيلمًا، وحوالى 10 مسلسلات و5 أعمال مسرحية. لكن كيف أصبح توفيق الدقن نجمًا لدرجة أنه شارك في صناعة 14 فيلمًا في سنة واحدة عام 1973، كيف فقد الدقن والدته بسبب التمثيل، وما هي قصة الجزار الذي طارده بالساطور. بدل قاقد يعود ميلاد «توفيق الدقن» واسمه الكامل هو توفيق أمين محمد أحمد الشيخ الدقن؛ إلي 3 مايو عام 1924، بقرية هودين في منطقة السنطة بمدينة بركة السبع في محافظة المنوفية، وعلى الرغم أن هذا التاريخ هو الرسمي لميلاده إلا أنه تاريخ ميلاد شقيق سابق لتوفيق وافته المنية عن عمر 3 سنوات قبيل ولادته، فقرر الوالد أن يترك الأمر على ما هو عليه ليحل الوليد الجديد محل شقيقه الراحل، ومن هذا الميلاد قطع مشورا قرابة 64 عاما في بحر الحياة، أنفق منها 33 عاما فقط في التمثيل والإبداع وإتحاف جمهوره. من بشكاتب ل باب الحديد لم يكن توفيق الدقن من هواة التمثيل الذي احترفه لاحقًا، ولكن قاده قدره وربما دفعه ليكون كذلك، عاش توفيق طفولته في محافظة المنيا مع اسرته التي انتقلت بسبب ظروف العمل، وبعد أن حصل على البكالوريا تمكن والده المفتش الإداري بنيابات المنيا، من توفير فرصة عمل لنجله ك كاتب في نيابة المنيا الجزئية، وفي ذات العام رحل والده عن الحياة تاركًا أسرة باكملها في رقبته نجله من بعده. قرر توفيق الانتقال إلى القاهرة، واستعاض بعمله في النيابة بوظيفة في السكة الحديد، تاركا اسرته ورائه، وبمجيئ الدقن للقاهرة ساهمت صداقة بالفنان صلاح سرحان، في التعرف على اثنين من عظماء جيله، عبد المنعم مدبولي وفريد شوقي، وجميعهم شجعهوه على الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية. مشوار فني حصل الدقن على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية في الخمسينات، وبدأ صعود أول درجات سلم مشواره الفني عام 1951 بمشاركته في فيلم «ظهور الإسلام» وفي نفس العام شارك في فيلم السبع أفندي، لم يكتفي الدقن بدخوله للفن، وقرر أن يواصل إلى جانب عطائه مشواره الأكاديمي ليلتحق بالمسرح الحر لمده سبع سنوات، وفرقة اسماعيل ياسين لمدة عامين، واخير المسرح القومي الذي نال عضويته حتى وافته المنية. حصد الدقن وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1956، وسام الاستحقاق، شهادة الجدارة في عيد الفن عام 1978، درع المسرح القومي، جائزة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، جائزة جمعية كتاب ونقاد السينما، وجوائز عدة عن أدواره في عدد من الأفلام. توفيق الدقن ربما يكون الوحيد من أبناء جيله الذي شارك في صناعة 14 فيلمًا عام 1973، 13 فيلمًا عام 1972و 11 فيلما أعوام(70،71،و75). ليترك لنا 233 فيلما في 33 عاما فقط هي عمره الفني. الشرير البرئ برع توفيق الدقن في أداء أدوار الشر، التي أصبحت ملاصقه لها -آنذاك- كصورة ذهنية ارتبط بها عقول الناس.. وذات يوم كان توفيق الدقن يقود سيارته في شارع عماد الدين ترافقه أمه المريضه التي حضرت من المنيا، وفجأة شاهدت أحد الأشخاص ينعت ابنها بأنه اللص السكير المجرم، وتمادى الرجل في نعته حتى ظنت الأم أن ابنها من أرباب الإجرام وأن حاله فسد عقب مجيئة إلى القاهرة، وفي ظل حالتها المتدهورة وتضعافها إثر سماعها هذه الكلمات فارقت روحها الحياه قبل أن يتمكن توفيق الدقن في توضيح الموقف وشرح أبعاده.. وكانت هذه أقسى ضريبة يمكن لفنان أن يدفعها بسبب التمثيل. هو نفس السبب، الذي لم تغيره مرور الأيام على الصورة الذهنية لدى الناس. مرت الأيام بتوفيق الدقن وقرر نقل إقامته الي حى العباسية، وكان أسفل العقار المقيم به محل جزارة، فذهب له مثل أي زبون عادي، ولكن الجزار بادره بطرده من المحل، وملاحقته في الشارع وهو ممسكًا بالساطور ظنًا منه إنه لص كما يظهر في أدواره، وظل الرجل لا يعامله طيلة اشهر بسبب اعتقاده هذا. وبمجيئ العام 1988 رحل توفيق الدقن، تاركا وراءه أعمالا خالدة، ربما كان لأوخرها في بداية الثمانيات أن يكشف جانبا من شخصيته الطيبه مثل دوره في فيلم «على باب الوزير»، إلا أنه لم يكشف عن سر العلبة التي أقنع عبد المنعم إبراهيم أنها تحوي بداخلها فيل.