لا حديث الآن يعلو فوق حديث الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويدور الشد والجذب حول الاستعدادات التي تعدها الأحزاب لتلك المنافسة للفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان للمشاركة في مسئولية تنمية مصر من خلال المجلس التشريعي الذي يعبر أو ينبغي له أن يعبر عن طموح وآمال المواطن في حياة أكثر رخاءً وأفضل حالا توفر له المأكل والمشرب والمسكن وتتيح له حقه في التعليم والعلاج وغير ذلك مما يشغل بال المواطن. وعليه سيكون البرلمان المقبل مطالباً بالتصدي لكثير من قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ونري أن من بين ما يجب علي مجلس الشعب المقبل العناية به ما صارت إليه اللغة العربية من إهمال وتنحية عن الاستخدام وتعرضها للهجوم الدائم من أبنائها رغم ما تلاقيه من اهتمام عالمي لا يخفي عن لبيب أو متابع ومهتم بالشأن العام من إدراجها ضمن اللغات المعتمدة المستخدمة في الأممالمتحدة المسموح بالحديث بها أو إعلان إسرائيل عن تعليم اللغة العربية بمدارسها بدءاً من التعليم الابتدائي كما جاء بالمقال الأسبوعي للشاعر الكبير فاروق جويدة بأهرام الجمعة الصادر في 3/9/2010. وبداية نشير إلي الارتباط المباشر والكامل بين اللغة وهوية أي أمة وهي في حلنا مكون للهوية العربية وعامل من عوامل جمع أبناء الأمة العربية في بناء واحد ذي لسان واحد تدعمه الجغرافيا والتاريخ والدين وغير ذلك من مكونات الهوية العربية التي تخلق الإحساس بالانتماء والإيمان به والاستعداد للدفاع عنه إن لزم الأمر. أحوال اللغة تصرخ بالحاجة للدفاع عنها، فالتعليم وخلال العقدين الأخيرين ينحوا بعيداً عن اللغة العربية من خلال المدارس الخاصة والأجنبية التي تدرس كل مقرراتها باللغة الأجنبية وتزداد هذه المدارس عاماً بعد الآخر، ويواكب ذلك زيادة عدد الجامعات الخاصة الناطقة بلغات أجنبية مختلفة والتي تقدم منتجا للأسف أجنبياً، أجنبي الثقافة والهوي والخبرة ولا تستطيع مطالبته بعدها بالانتماء في غيبة اعتزاز بلغة تسمح له أن سيتعرف بصدق علي دينه وتاريخه وشعبه حتي أصبحنا نري من لا يتعاملون إلا بالإنجليزية أو الفرنسية وكأن الحديث بالعربية نقيصة تعيب من يتحدثها. وليس ذلك بالمظهر الوحيد للاعتداءات الدائمة والمتكررة علي العربية بل امتد الهجوم لنري شوارعنا في كل المدن الرئيسية مليئة بالأسماء الأجنبية للمحال والمطاعم والفنادق والبنوك حتي أني استشعر أحياناً أن حديثي بالعربية ببعض تلك المحال أو الفنادق أو البنوك التي تقتضي الحاجة للتردد عليها، يزعج من أحدث وقد يجيبك بلغة أخري أو قد يقدم لك كشف الحساب بلغة غير العربية. إن أعضاء البرلمان المقبل الذين يعرضون برامجهم علي مصريين يتحدثون العربية ويستخدمون أدوات ووسائل دعاية لا تنطق إلا بالعربية، ولو فعلوا غير ذلك لانعرف عنهم الناخب من البنية، هؤلاء مطالبون بالاخلاص لتلك اللغة التي استخدموها في تقديم أنفسهم للناخب إبان حملاتهم الانتخابية بإصدار التشريعات اللازمة التي تضع حداً لهذا التوسع السرطاني للمدارس الخاصة الأجنبية أو تلك التي لا تدرس إلا بالأجنبية لجميع المقررات الدراسية وكذلك وقف إنشاء جامعات أجنبية جديدة والعمل علي تقديم تشريعات تحدد آليات تنفيذ مجمع اللغة العربية لتصبح الحكومة ملزمة بالتنفيذ وكذلك الأفراد، فالقانون الذي وافق عليه مجلس الشعب وصدر برقم 112 لسنة 2008 وقضي باستبدال الفقرة (ز) من القانون رقم 14 لسنة 1982 الخاص بتنظيم أعمال مجمع اللغة العربية ونص علي (الزام دور التعليم والجهات المشرفة علي الخدمات الثقافية والوزارات والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الجهات الخاضعة لإشراف الجهات المشار إليها بتنفيذ ما يصدره المجمع من قرارات لخدمة سلامة اللغة العربية) ويضيف هذا القانون أن (هذا الالتزام أحد الواجبات العامة الملقاة علي العاملين كل في حدود اختصاصاتهم ويترتب علي مخالفة هذا الالتزام انعقاد المسئولية التأديبية علي المخالف). والقانون رغم صدوره منذ 2008 لم نلمس له أثرا في الواقع يعيد لوجه القاهرة رونقها وأصالتها باستخدام اللغة العربية في مدارسها وجامعاتها، في المحال والفنادق والشركات والمؤسسات لعلنا نعيد الأمور لطبيعتها حتي لا نري من يدرس بالأجنبية أولي بالرعاية وله الأولوية ومن يدرس بالعربية درجة ثانية يلقي الاهتمام حسب الظروف والامكانات المتاحة. إن القانون أي قانون دون إلزام بتنفيذه وقوة تنفذه وعقاب للمخالف طبقاً للقانون يظل نصاً جميلاً وعملاً نبيلاً أريد به خير بالنية فقط وكلنا يعلم أن (الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل). إن بحث البرلمان المقبل لآليات تجعل من مجمع اللغة العربية قادراً علي حراسة اللغة العربية وتطويرها هو واجب مهم للغاية للحفاظ علي ملمح ومكون أساسي من ملامح ومكونات الهوية الوطنية للأمة العربية وفي القلب منها مصرنا الحبيبة.