يقول سيجموند فرويد "علينا أن نتذكر الماضي حتى نستطيع التوقف عن تكراره" ، وفقاً لذلك يعرض مسرح الغد يومياً وبإقبال ملحوظ العرض المسرحي " سيد الوقت" وهو لقب أطلق على أحد المتصوفين المقتولين "شهاب الدين السهروردي" تأليف فريد أبو سعدة وإخراج ناصر عبد المنعم وبطولة النجوم الشباب حسن عبد الله ، وائل إبراهيم ، سامية عاطف ، تامر نبيل ، معتز السويفي والأطفال زياد إيهاب وحازم عبد القادر ، غناء: فارس، رقص تعبيري رشا الوكيل، رقص مولوية شبراوي، ديكور وأزياء نادية المليجي، رؤية موسيقية شريف الوسيمي، تصميم حركي رجوى حامد..عن مسرحية "ليلة السهروردي الأخيرة" ..يستمر العرض حتى أخر شهر رمضان .. ومن أشعار شهاب الدين السهروردي " أبداً تحن إليكم الأرواح ..ووصالكم ريحانها والراح ..وإلى لذيذ لقائكم ترتاح .. وارحمتا للعاشقين تكلفوا .. ستر المحبة والهوى فضاح .. بالسر إن باحوا تباح دماؤهم .. وكذا دماء العاشقين تباح" .. وتم الاستعانة بأعمال من التراث الغنائي الصوفي من أشعار شهاب الدين وبن الفارض . وقد شهد العرض المسرحي "سيد الوقت"، إقبالاً كبيرًا من الجمهور ومحبي المسرح، في إشارة إلى دوره في محاربة التطرف والإرهاب والأفكار الرجعية. المسرحية تتناول الوقائع التي حدثت للفيلسوف المتصوف "شهاب الدين السهروردي" من مواليد عام 549 هجرية / 1155ميلادية، والذي عاصر نهاية الدولة الفاطمية وتأسيس صلاح الدين الأيوبي للدولة الأيوبية، وكيف رأى صلاح الدين -بوشاية من فقهاء حلب- أن الأخذ بالفلسفة والقول بالتأويل، يعطل مشروع بناء دولته التي يحلم ببنائها، فيأمر بقتله لينضم السهروردي إلى قائمة من أُريق دمهم عبر أزمان متعاقبة , نتيجة أفكارهم ورؤاهم المختلفة. النص يعرض حالة لوأد الاختلاف تتوافق مع كل العصور ، كل من يخالف فكر الحاكم يقمع ، إلى جانب عنصر الصدمة التي يستشعرها المشاهد الذي عرف صلاح الدين الأيوبي فارساً نبيلاً وفقاً للتاريخ - الذي يثبت يوماً بعد الآخر أنه يتم تزييفه وفقاً للحكام ولا أساس للمصداقية والأمانة فيما يتوارثه جيلا تلو الآخر ، المشاهد يفتخر لسنوات بصلاح الدين ويراه زعيماً يتحدث بزهو عن إنجازاته ولا يعلم حجم سقطاته ، التاريخ سجل فقط أن صلاح الدين هو الفارس الذي حارب الصليبيين ومنع توغلهم في الأراضي المقدسة ، بل وضرب أعظم الأمثلة على سماحة الإسلام والمسلمين في تعاملهم مع أسراهم ، إلى جانب الحنكة في إدارة المعركة ودراسة مواطن ضعف وقوة الخصم والتعامل معها . أبرز الأعمال السينمائية والتليفزيونية التي سجلت تلك المرحلة ونقلتها عبر شاشات السينما والتليفزيون ركزت على الفارس المغوار الذي يستعين بين حاشيته بفرسان مسيحيين وكيفية الاحتفال بهم في مناسباتهم الدينية والشخصية ، إلى جانب مهارته الطبية التي مكنته من علاج الخصم الأول له في حربه ضد الصليبيين وهو ريتشارد قلب الأسد ، وتحريره لأسراه في موكب مهيب ، لم يسجل التاريخ الذي درسناه بل وحفظناه أنه كأي حاكم يبقى على كل ما من شأنه رفعة الدولة ، ويتخلص من كل ما يراه كفيلا بهدمها ، والأصعب في هذا العرض المسرحي تصوير الفارس النبيل بأنه يترك مسامعه للمقربين دون التحري قبل اتخاذ قرارات عظمى تنخر في عضد الفكر الاسلامي وتزعزع هيبته وسلطانه. يضرب العرض المسرحي "سيد الوقت " مثلا من التاريخ يتجاوز كل الأزمنة ويتطابق مع كل العصور في كيفية احتواء الإختلاف بطرح النقيض ، من خلال الراوي "نوران" الذي يحمل حقيبة ثقيلة تتضمن أراء "السهروردي" أثناء رحلته الشاقة حتى أنه يفكر في تركها ليصير أسهل في تحركه ولكنه لا يقوى على اتخاذ قرار كهذا ويعاود حمل الكتب ، فإذا به يلتقي شخصاً تسيل الدماء من رأسه وجسده وحينما يسأله من أنت يعلم أنه "شهاب الدين السهروردي" يقول له كنت أبحث عنك فأنا أؤمن بأفكارك ولكن ما الذي فعل بك هذا ، ليبدأ نوران في سرد ما عرفه عن قصة السهروردي . ففى الوقت الذي يقضي فيه الأمير "الظاهر غازي" سهراته مع الحسان وفتيات الليل متخفياً تجذب إنتباهه جوهرة ثمينة تحملها إحداهن وتدعى "وردة" تبحث عن من يبتاعها ، الجوهرة يملكها رجلاً فقيراً ، ويعرض "الظاهر" أعلى سعر فيها ، وحينما تبلغ "وردة" الرجل بالثمن الذي ستباع به الجوهرة يرفض ، يطلب "الظاهر" لقاء هذا الفقير لتنشأ بينهما علاقة من نوع خاص ، يقتنع خلالها بفكره ويستعين به في أراءه حتى يغار منه رجال الدولة ويتهمونه بالكفر والزندقة ، ويرسلون للوالي صلاح الدين تخوفهم من زعزعة الإسلام وضرورة التصدي لفكر يدعو للشتات ، فيأمر بقتله . لم يستطع الظاهر معارضة والدة بعد أن وعده بالإمارة واستجاب لنداء عزرائيل وأزهق روح المفكر شهاب الدين السهروردي بسيفه .. بعد أن أصبح له مريدين وأتباع رأوا في حديثه وأفعاله تطهيراً لأنفسهم ، ودعوة للتأمل والتفكير وعدم الإذعان للمسلمات. يدرك كل من يشاهد العرض أن المخرج ناصر عبد المنعم قام بتوظيف أدواته على أفضل صورة فلم نرى قطعة ديكور في غير مكانها أو دون توظيف ، كما أضفت الإضاءة والموسيقى والملابس مع رشاقة الكلمات والحركة إلى جانب الرقصات والأشعار مناخاً للتصوف وأعطى أبعاداً جديدة للمتعة .