"أدب الجاسوسية" على المائدة المستديرة "الجاسوس 388"رواية تفتح ملفات شائكة محيط - سميرة سليمان أدب الجاسوسية إلى أين؟ ضمن فعاليات المائدة المستديرة التي يستضيفها معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحادية والأربعين أقيمت ندوة بعنوان "أدب الجاسوسية والذاكرة الوطنية" شارك فيها اللواء فؤاد حسين واللواء محمود خلف والناقد الدكتور مصطفى الضبع، وأدار الندوة الكاتب عبد الله يسري الذي بدأ حديثه قائلا: أدب الجاسوسية يختلف عن الأدب البوليسي بالطبع، وهو نتاج الحراك السياسي وما تشهده المنطقة العربية من حروب. ومن ثم يحمل أدب الجاسوسية كثير من الحقائق والإجابات عن الأسئلة المطروحة. تحدث في البداية السيد اللواء فؤاد حسين الملقب ب "صائد الجواسيس" الذي ضبط 48 جاسوسا خلال عمله الأمني، بدأ اللواء قائلا: الاتجاهات النقدية الحديثة معظمها لا يعترف بأدب الجاسوسية على اعتبار أن كاتب هذا الأدب لا يبذل جهدا فالمادة الخام للرواية لدى المخابرات، ومن ثم الإبداع هنا منقوص. ولذلك من يتحدث عن الجاسوسية يجب أن يكون عمل بهذا المجال أو قرأ كثيرا عنه حتى يفيد القارئ ويشوقه، وأن يكون ملما بالأدوات المستخدمة في التجسس وهي مختلفة ومتغيرة بين الماضي والحاضر. والصعوبة التي تواجه كاتب أدب الجاسوسية دائما هي هل يضع الحقيقة كما هي أي كما جاءت من واقع الملفات أم يلجأ للخيال؟. أدب الجاسوسية قرائه بالملايين. ويعتبر رائد هذا الأدب في مصر الراحل صالح مرسي، حيث كتب رأفت الهجان والحفار والصعود إلى الهاوية. وتساءل: قصص الجاسوسية عن من تتحدث؟ وأجاب قائلا أن أي جهاز مخابرات في العالم ينقسم إلى جزئين سرية ووقائية. والسرية هي التي تتعامل مع الجواسيس ولها صلة بهم. والأديب لديه حساسية أمنية عالية حين يتحدث عن الجاسوسية لا سيما إذا كان الحديث عن جاسوس مصري خاصة حين يكون له علاقة بالمؤسسة العسكرية. ويضيف اللواء فؤاد حسين: بعد خروجي على المعاش قررت كتابة أدب الجاسوسية وكتبت قصة بعنوان "الخيانة الهادئة" بطلها كان عريف في القوات المسلحة هرب من الجيش عام 1968 وسلم نفسه لليهود الذين قاموا بتجنيده وإرساله لمصر وتم كشفه والقبض عليه. كتبت بعد ذلك رواية أخرى عن الجاسوسية بعنوان "جاسوس من الصرب" وكان فعل الكتابة أسهل كثيرا لأن الجاسوس غير مصري ومن ثم الكتابة عنه أسهل. كما كتبت "نفايات إسرائيل البشرية" وهي عن قضايا تجسس من إسرائيل، كتبته عام 1997 وانتظرت موافقة المخابرات وتصديقها على العمل لمدة 11 عاما. ونظرا لتأخر التصديق على العمل من المخابرات قررت الكتابة في مجال آخر فكتبت عناوين مثل "أشبال فوق الستين"، "ابنتي والمسيار"، كما كتبت عن سيناء وموضوعات أخرى. وأذكر ان صالح مرسي كتب "الصعود إلى الهاوية" وتم التصديق عليها، ورفضت المخابرات أن يظهر شخصية الجاسوس المجند أنه ضابط مهندس حتى لا يفهم الناس أن المؤسسة العسكرية تضم خائنين. وروى اللواء بعض القصص المتعلقة بالتخابر والتجسس التي عايشها عبر عمله بالمخابرات. حرب المخابرات لن تتوقف تحدث بعد ذلك اللواء محمود خلف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية والمحلل العسكري الذي أوضح أن المخابرة تعني نقل الخبر، والمخابرات هي حرب ذكاء يكسبها الأكثر ذكاءا والذي يملك كثير من المعلومات، وهي حرب لم تتوقف في التاريخ ولن تتوقف. أي جهاز مخابرات في العالم ينقسم إلى قسمين، قسم يعنى بالحفاظ على المعلومات التي يملكها، والآخر يعنى بجمع المعلومات، وهي عملية مستمرة لا تتوقف في السلم أو الحرب. وأضاف اللواء: طرق الحصول على المعلومات تتمثل في المصادر البشرية، والمصادر الفنية كالأجهزة المختلفة مثل أجهزة التصنت وغيرها. وهي أيضا إما معلومات يتم جمعها بطرق علنية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، أو معلومات سرية يتم جمعها عبر المصادر البشرية مثل المواطن الذي يتحدث بدون حرص في وسائل الإعلام مثلا، أو عبر الجواسيس الذين لا غنى عنهم حتى في وجود أعقد الأجهزة التكنولوجية وأحدثها. أجهزة جمع المعلومات قامت على أجهزة التجسس البشري لأن التقنيات كلها تعتمد على الخداع ولا يوجد جهاز مخابرات في العالم إلا ويتحرك بشكل خيالي وخداعي ليخلط الحقيقة بالزيف. وعمليات التضليل هذه لا تكتشفها الأجهزة المعقدة يكتشفها فقط العنصر البشري ومن هنا فالجاسوس سيبقى دائما. ومن ضمن الأساليب التي يستخدمها جهاز المخابرات أسلوب المعلومات المغلوطة حيث يستخدم الجهاز معلومة حقيقية ويضيف لها معلومة مغلوطة لتغيير القرار السياسي للدولة المعادية، مثل ما حدث في الحرب العالمية الثانية بين المخابرات الإنجليزية والألمانية. هتلر تراجع عن قراره بسبب معلومات مغلوطة كان الإنجليز يستعدون لغزو ألمانيا في معركة بعنوان "نورماندي" وعلمت المخابرات الألمانية بذلك وحشدت كل استعدادتها في هذا المكان، وأراد الإنجليز بث معلومات مغلوطة للألمان تفيد أن مكان الهجوم سيتغير ويكون من إيطاليا لإجبار القوات الألمانية أن تسحب معداتها من "نورماندي"، وكان ذلك عبر خطة ذكية من الإنجليز وتم نجاحها بالفعل حيث استخدمت أحد الأشخاص لبث رسالة مغلوطة للعدو الألماني الذي اقتنع بها بعد تحريات عن صدق تلك المعلومات. وبالفعل ألمانيا سحبت قولتها من نورماندي وكانت المعركة الشهيرة التي كسبتها بريطانيا ببراعة، وكان اسم العملية "اللحمة المهروسة". ويختتم حديثه قائلا: أوصي الشباب أن يتعرفوا على طرق المخابرات في الحفاظ على المعلومات عبر الكتب المنشورة ليستخدموا ذلك على المستوى الشخصي في حياتهم. أدب الإنتماء بدأ الناقد الأدبي مصطفى الضبع حديثه مرددا بيت الشعر القائل: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة واستكمل قائلا: ليس سوى أدب الجاسوسية قادر على إعادة الانتماء المفقود، ففي حين يوجد أشخاص لا يستحقون الحب لا نجد وطنا لا يستحق الحب. نحن نتعامل مع أدب الجاسوسية على أنه أدب واقعي وليس خيالي ومن ثم نكون أكثر قابلية للتصديق، وهو أدب قائم على الوثائق وملفات المخابرات التي على شبابنا أن يتعرفوا عليها. وهذا الأدب يجعلنا ندرك جيدا أن الواقع يظل أكثر قدرة على تقديم مادة للمبدعين أكثر من الخيال. img title="غلاف رواية " style="width: 228px; height: 191px" height=225 src="http://10.1.1.37/mi/63/225-300/634958.jpg" width=300 align=left ? 388?? الجاسوس غلاف رواية وأوضح الكاتب عبد الله يسري صاحب رواية "الجاسوس 388 " التي صدرت مؤخراً عن دار الشروق الدولية، أن الرواية قصة واقعية دارت أحداثها فى ستينيات القرن الماضى، ومكونة من أربعة فصول متتالية الأحداث، تبدأ بالفصل الأول عام 1960 فى القاهرة. وهي تحكي عن جاسوس في فترة الستينيات، اعتمدت في تدوينها على أوراق ووثائق ومقابلات مباشرة مع صانعي الحدث. ويضيف يسري: كانت القوات المسلحة المصرية في هذا الوقت لديها مشروع طموح أن تملك صواريخ خاصة بها واستعانت بخبراء ألمان لمساعدتها في مشروعي صواريخ "القاهر" و"الظافر". علمت إسرائيل بالمشروع فأرسلوا لنا شخص على أنه رجل أعمال ألماني ومربي خيول واستطاعوا طمس ماضيه القديم وخلقوا له تاريخ مختلف وواقع رائع. ولأنه رجل أعمال ثري تعرف على القادة والمسئولين وكان يجمع معلومات منهم عن طريق حفلات تضم خمور وغيرها ومن ثم يحصل على المعلومات التي يريدها منهم بعد أن يكونوا تخلوا عن حرصهم وحذرهم. وكان الجاسوس يجمع معلومات عن طريق تجواله يوم الجمعة بشارع باب الحديد وهو شارع "رمسيس" الآن ليرصد حركة الأجازات في القوات المسلحة ويتابع صفوف الجيش. ويضيف صاحب الرواية: تم الكشف عن شخصيته عبر ملاحقة ذبذبات الإرسال التي كان يرسلها لإسرائيل وتم القبض عليه وبعد معرفة تاريخه تبين أنه كان ضمن جيش شارون الذي نفذ كثير من المذابح. مقهى الصيرفى العريق المطل على باب الفتوح، برلين، ميناء الإسكندرية، نادى الفروسية، فيلا غالب بالهرم، حارة خميس العدس بالخرنفش، مبنى المخابرات، قاعة المحكمة، سجن القناطر، كوبرى القبة، وأخيراً تل أبيب، كلها أماكن شهدت أحداث الرواية وبطلها لوتز السائح الألمانى الذى يمتهن تدريب الخيول. كشف أمره الرائد صلاح الذى استطاع جمع معلومات عنه، وكان مكلفاً من رئيسه فى العمل بمتابعة لوتز ومعرفة ماذا يريد بالضبط، وبالفعل تابع الملف، واستطاع القبض عليه آخر فبراير 1965، واستمر التحقيق معه حتى يوليو، كما استمرت محاكمته لمدة 33 يوماً حتى حكم عليه فى 21 أغسطس بالسجن 15 عاماً والأشغال الشاقة وغرامة قدرها 32519، الحكم الذى أثار غضب المصريين الذين كانوا يطالبون بإعدام الجاسوس، قضى منها عامين فقط فى السجن ثم خرج بتقرير طبى مزور يفيد بأنه مريض بسرطان لا علاج له وعيوب خلقية فى القلب خطيرة ولن يعيش سوى ثلاثة أشهر. وصدر قرار بإطلاق سراحه لأسباب طبية، وسافر بعد ذلك إلى تل أبيب هو وتسعة إسرائيليين فى عملية مقايضة، قامت بها الحكومة المصرية برئاسة عبد الناصر لاستعادة خمسة آلاف جندى وتسعة لواءات مصريين، الرائد صلاح كان يحضر طعم لوتز، وأن رجال مصر سوف يعيدون الجاسوس عن طريق طعم كبير سوف يبلعه اليهود على أرضهم. ويستكمل عبد الله يسري حديثه قائلا: كانت المشكلة التي تواجهني أن أحداث الرواية حقيقة وكان التحدي الحقيقي هل اكتب على الغلاف كلمة "رواية" وكانت وظيفتي هنا لأكتب هذه الكلمة أن أجعل شئ من الخيال يخيم على الرواية، واستطعت أن أبرز الحياة الاجتماعية التي كانت مصر تعيشها في الستينيات وأسلط الضوء على شخصيات اليهود التي تتضمنها الرواية، أيضا أبرزت شخصية البطل المصري البسيط الذي يحمل لوطنه حب عميق.