"اسمي أحمد على أحمد إبراهيم المجدوب ولدت في مدينة بورسعيد المصرية 1934م لأب مصري كان يعمل بالتجارة ويجيد أربع لغات هي الفرنسية والإنجليزية والإيطالية واليونانية غير العربية وعمل مديراً لشركة أجنبية مهمتها صيانة السفن أما والدتي فكانت ربة بيت وقد توفى الوالدين منذ فترة كبيرة أما الحالة الاجتماعية فأنا متزوج منذ سنة 1970م ولم يشأ الله أن يكون لي أبناء وأشغل منصب أستاذ متفرغ بالمركز القومي المصري للبحوث الجنائية والاجتماعية.
أسرتي كانت تضم تيارين متناقضين تماماً فأبي كان علمانياً، عاش وتربي مع الأجانب وكان يؤمن بفصل الدين عن الدولة مثلما كان يردد البعض أمثال طه حسين ولطفي السيد وكان أبي قليلاً ما يصلي للأسف الشديد أما أمي فكانت متدينة هي وأسرتها".
هكذا تحدث عن نفسه عالم الإجتماع الذي رحل عن عالمنا منذ أيام قلائل الدكتور أحمد المجدوب الخبير بالمركز القومي المصري للبحوث الجنائية والاجتماعية، في حوار له مع موقع "الإصلاح" ساردا مسيرة حياته فيقول: تعلمت اللغة الفرنسية بالمدرسة ذلك لأن والدي كان يحلم أن ألتحق بوظيفة في شركة قناة السويس العالمية التي أصبحت هيئة القناة بعد تأميمها، وكان ذلك حلم الكثيرين فالشركة تمنح أعلى المرتبات لموظفيها وبناء على حلم أبي فقد تعلمت في المدارس الفرنسية حتى المرحلة الثانوية لدرجة أنني كنت أعرف تاريخ الجمهورية الفرنسية وأهم زعمائها ولا أعرف شيئاً عن تاريخ بلدي آنذاك.
وأضاف: "تفتح عقلي على الدراسات الأجنبية ولذلك أحذر الآباء الذين يعلمون أبناءهم في مدارس غير عربية من تجربة مررت بها فعندما كان عمري 6 سنوات كنت أذهب مع التلاميذ النصارى إلى الكنيسة يوم الأحد وحدث أنه ذات مساء جلست في حجرتي أصلي كما كانوا يعلموننا في الكنيسة ودخلت على والدتي ووجدتني أفعل ذلك فسألتني عن الأمر فأخبرتها، فلطمتني بشدة على وجهي وطلبت من والدي ألا أذهب إلى هذه المدرسة مرة أخرى، ولكن والدي أصر على الاستمرار في نفس الطريق ولكن مراعاة لرغبة أمي طلب من إدارة المدرسة ألا يصطحبوني إلي الكنيسة ثانية وكان ذلك في بداية الأمر عقاباً لي، فكل الأولاد يذهبون إلى الكنيسة للصلاة كما أنها كانت مغرية جداً فهي مليئة بالألعاب والهدايا وكل ما يجذبني كطفل خاصة وأنني لم استوعب الأمر بعد ولكن هناك شيئاً مهما خاصاً بالأمهات وهو أن الحب يفعل المعجزات، فأنا كنت شديد التعلق والارتباط بأمي فما دامت قالت لي أن هذا خطأ فهو كذلك كما أن أمي كانت ذكية وعت ما حدث لي وسعت إلى أن تربطني بأسرتها المتدينة، فكنت أقضي أوقات فراغي عند أخوالي وجدتي التي كانت لا تبرح سجادة الصلاة وكانت تأتي بالشيخ يقرأ القرآن الكريم كل يوم في البيت، وكانت هذه الأمور تجعلني أتلمس ديني وعقيدتي وأنا صغير وسارعت أمي بإرسالي إلى مكتب تحفيظ للقرآن في الإجازة الصيفية بدون علم والدي والذي كان يرفض ذلك ويحرص تماماً على الاستمرار في طريق التعليم الفرنسي دون غيره.
والحمد لله حفظت ربع القرآن الكريم على يد شيخ ضرير وكل ذلك وأنا ما زلت في المدرسة الفرنسية، فقد حصلت على الابتدائية والإعدادية ونجحت في الصف الأول الثاني، ولكن كان الوقت قد حان لأغير وجهتي وطريقي دون معرفة والدي وقررت أن أحسم التناقض المثار بداخلي فهل أنا مسلم عربي وطني أم فرنسي وكنت أرفض معاملتهم لنا فهي معاملة المواطن من الدرجة الثانية، وأحسست أنهم يضطهدونني كعربي ويفرقون في المعاملة بيني وبين الطلاب الأجانب في المدرسة، وهذا الأمور لم أدركها وأنا صغير، ولكن فطنت إليها بعد ذلك وأدركت أن هذه بلدنا وليست بلدهم، كما أننا على دين وهم على دين آخر، خاصة وأنني وجدت وعايشت التدين عند أسرة أمي فأصبحت أحمل في نفسي شيئاً ضد الأجانب وقررت أن أتحول إلى الدراسة العربية وأحصل على الابتدائية نظام (المنازل).
وأحضرت الكتب وكنت أذاكر ليلاً دون معرفة أحد حتي جاء ميعاد الامتحانات وفوجئت أنها تعقد بمدينة بعيدة عن مدينتنا، فلم يكن هناك مفر من إخبار الأسرة وخاصة أمي والتي تكتمت على الأمر وطلبت مني ألا أخبر والدي حتي لا تحدث مشاكل، ولكن في يوم طلبت التحدث إليه وأخبرته أنني فعلت كذا وكذا فقال لي: لماذا وما الغرض منه؟ فقلت له أنني أريد أن حصل على شهادة عربي بجانب الأجنبي وأنا لم أقصر في شيء وأريد أن أعرف شيئاً عن بلدي؟
ووافقني أن أمتحن وكان ذلك في سن الخامسة عشر واشترط على الاستمرار في الدارسة الفرنسية، وحذرني من أن تكون تلك خطوة التغيير فطمأنته، وكنت حريصاً في هذه السن أن تكون سلوكياتي مشروعة ولا تغضب الله فاستشرت خالي في الأمر فالتمس لي العذر مادام أن غرضي هو العلم، وظهرت نتيجة الابتدائية بعد ذلك وكانت تلقي اهتماماً كبيراً وتنشر في الصحف، فاشتريت الصحيفة ووجدت رقمي مدوناً ضمن أسماء الناجحين وفي نفس الوقت نجحت في الصف الأول الفرنسي وفرحت جداً بذلك وطلب مني والدي الاكتفاء بشهادة الابتدائية العربية والتركيز في الدراسة الثانوية الفرنسية.
إلا أن نفسي كانت قد عزمت على مواصلة الدراسة بالعربية، ولكن لم استطع الحديث إلى والدي في هذا الشأن وظللت مهموما فترة كبيرة حتي دخلت الصف الثاني الفرنسي وساءت درجتي بصورة كبيرة، رغم أنني كنت أحصل على أحد المراكز الأولي على المدرسة وكان لذلك أثر طيب في نفسي فأنا عربي وأتفوق على الأجانب ولكن في هذا العام ضعف مستواي واستدعت إدارة المدرسة والدي لتحدثه في أمري وأخبرت والدي أنني أريد إكمال الدراسة بالعربية فهددني ورفض ذلك وكان من نتيجة ذلك أن رسبت في نهاية العام فناقشته إدارة المدرسة في ذلك فأخبرهم بالأمر فطلبت منه أن يلبي رغبتي مادام أنه مقتنع بذلك وبالفعل غيرت وجهتي في التعليم كأصعب وأهم قرار في حياتي بعكس ما كان يريد أبي وحصلت على التوجيهية والتحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
حصلت على ليسانس الحقوق عام 1958م وعملت بالمحاماة فترة قصيرة، قررت بعدها أن اتجه نحو البحث العلمي وعملت بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وتدرجت من وظيفة معيد إلى أن حصلت على الدكتوراه وأصبحت أستاذاً بالمركز.
حاضرت في عدد من الجامعات المصرية والعربية القاهرة، عين شمس، والأزهر، وأسيوط بمصر، وجامعة وهران بالجزائر وجامعة قاريونس بليبيا والمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض واسمه الآن أكاديمية الأمير نايف، كما أنني أشغل عضوية الجمعية الدولية لقانون العقوبات في باريس وعضو الاتحاد العالم لجمعيات رعاية المسجونين وأنشأت الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الجريمة وعملت في فرع الأممالمتحدة في روما وهو المعهد الدولي لبحوث الجريمة والعدالة الجنائية.
وأشرفت على أكثر من 25 رسالة ماجستير ودكتوراه ولي مؤلفات تصل إلى 14 كتاباً وعرضت لموضوعات مختلفة وناقشت مشكلات عملية واقعية مثل قضية اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة، الظاهرة الإجرامية بين المنهج الإسلامي والفكر الوضعي وهو أول محاولة لإيجاد علم جريمة إسلامي وكتاب عن المعالجة القرآنية للجريمة، التكامل الاجتماعي في الإسلام، وحقوق الطفل في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي وكتاب المرأة والجريمة وكتاب العادات الجنسية لدي المجتمع الغربي مقارنة بالمجتمعات الإسلامية، وذلك من أجدل أن أدفع التهمة التي لصقوها بالإسلام أنه دين الشهوانية وغيره.
وقد كتبت ما يزيد على 500 مقالة في صحف عربية ومصرية منها (السياسة الكويتية، عكاظ، المدينة، الأهرام، آفاق عربية ، الأسرة العربية ). وقد أجريت 23 بحثاً ميدانياً أهمها استطلاع رأي عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عندما ردد البعض أنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فاستطلعت رأي الجمهور المصري هل نطبق الشرعية أم لا فجاءت الإجابة بنعم وقد حظي هذا البحث باهتمام جهات كثيرة منها جهات أجنبية، لأنه علامة على توجهات الشعب المصري نحو تطبيق الشريعة، ورغم ذلك طبع من كتاباتي كميات قليلة جداً لتحجيم انتشارها."
هل كان عدواً للمرأة؟
يري المجدوب ان ليس كل ما يشاع عن المرأة صواباً، فليس صحيحاً أنها أكثر تسامحاً من الرجل، ومقولة أن المرأة أكثر تسامحاً تروج لها النساء ويعجب بها بعض الرجال، والدليل على أن المرأة ليست متسامحة أكثر من الرجل أن جرائم القتل التي ترتكبها النساء أكثر عنفاً وشراسة من التي يرتكبها الرجال لو قارنا بينهما، فعندما تقتل المرأة مثلاً فهي في الغالب تحتفظ بالجثة وتظل تمثل بها وتقطع في جسد القتيل بتشفٍ.
كما أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة تعطي دلالة أخرى على عدم تسامح المرأة فالرجال يستطيعون تكوين علاقات صداقة قوية وعظيمة في الغالب، أما المرأة نادراً ما ترتبط بعلاقة متميزة مع امرأة أخرى ، فالمرأة لديها نوع من النرجسية وحب الذات، بسبب ما تعانيه من تفرقة في التنشئة الأولى بينها وبين الرجال ، ومعاملتها أحيانا على أنها تابعاً للرجل مما يجعلها تشعر بالاضطراب والاضطهاد أحياناً، وينعكس هذا على نفسيتها مستقبلاً ، وتعاملاتها.
وعن اتهامه بعداء للمرأة يقول "أنني ضد المرأة التي تهمل أسرتها وزوجها وكثيراً ما أترحم على أمي أكثر من أبي لأنها أول من تعلمت منها الصدق والإخلاص والثبات على المبدأ، فكانت قدوة لي تقوم بدورها على أكمل وجه، ولم تفتعل مشاكل مع أبي رغم اختلافهما الكبير، بل إنها غيرت في سلوكياته فمرة جاء يترنح بسبب شرب الخمر ورأيناه فما كان منها إلا أن تصدت له ونصحته بأنه من العيب أن يري الأبناء والدهم هكذا فامتنع من بعدها".
مواقفه المتعددة
اسهم المجدوب بالعديد من الدراسات والابحاث التي تعرضت لقضايا وهموم المجتمع المصري فعن رأيه في المدارس التي اقتصر دورها علي التعليم دون التربية يقول: "ضاع أبناؤنا بين أسرة مفككة ومدرسة هي في الحقيقة بؤرة للانحراف والجريمة أما العامل السياسي فدوره بالغ الأهمية فقد كنا في الماضي نشغل أنفسنا بمشاكل الوطن ونمارس دوراً سياسياً يجعلنا نشعر بقيمتنا أما الآن فإن الطلبة محظور عليهم ممارسة السياسة وإلا اعتقلوا ونكل بهم ولم يعد أمامهم غير الكرة والجنس والبانجو والمخدرات وبالنسبة لما حدث فإنني لا أخلي الشرطة من المسئولية لأن خلو الشارع المصري من رجل الشرطة يشجع أي منحرف علي التصرف كما يشاء مطمئناً إلي أن لا أحد يمنعه ولا ننسي في هذا الصدد الضعف الشديد الذي أصاب التضامن الاجتماعي وهو الذي كان يلعب دوراً مهماً في ردع مثل هؤلاء الشاب حيث كان الإنسان المصري الشجاع والشهم يتصدي لهم ويمنعهم من ممارسة سلوكهم المنحرف ولكن الآن نعاني من ظاهرة أنصاف الرجال الذين يقولون "وانا مالي" فإن الميدان أصبح خالياً لكل فاسد منحرف منحل".
مُكتشف أمراض المجتمع
ومن الدراسات التي كان للمجدوب السبق في البحث عنها قيامه بدراسة للحصول على عينة عشوائية من جرائم زنا المحارم التي جرى الإبلاغ عنها على مدى خمس سنوات في مصر فوصلت عدد الحالات الى 200 حالة شملت كل أشكال العلاقة من زنا بين الأب و ابنته، و بين الأخ و أخته، والأم و ابنها الى زنا بين العم و بنت الأخ، والخال و بنت الأخت، و العمة و ابن الأخ و الخالة و ابن الأخت الى آخر 18 نمطا من العلاقات المحرمة.
ويقول المجدوب : في زنا المحارم كثيرا ما يكون الجاني هو السبب في إدمان الضحية للمخدرات متخذا من ذلك وسيله لجعلها مهيأة للدخول في العلاقة بأقل قدر من الرفض والمقاومة. واكتشف المجدوب انه لا يوجد نص قانوني في القانون المصري يعاقب على ما يقع من زنا بين المحارم.
وفي دراسة حديثة للمجدوب أكد أن التعامل الإعلامي مع جرائم الاغتصاب التي شهدتها مصر يخضع للتقسيم الطبقي حيث يتناسب الاهتمام الإعلامي بالضحية حسب الشريحة الاجتماعية والاقتصادية التي تنتمي لها، وضرب مثالا لذلك بثلاثة حوادث اغتصاب شهدتها مصر خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي الأولى كانت بطلتها فتاة تنتمي لحي المعادي الراقي مما جعل الحادث يحظى باهتمام إعلامي واسع ..أما الحادثتان الأخريان فكانتا لفتاتين تنتميان للطبقة البسيطة عرفتا على الترتيب باسم "فتاة إمبابة" و "فتاة العتبة"، مؤكدا أن هاتين الضحيتين لم تحظيا باهتمام إعلامي مثل فتاة المعادي.
مرض المظهرية
من القضايا الأخري التي أدلي فيها الراحل بدلوه هي انتشار الانترنت والمحمول بشكل كبير، وكان المجدوب يري أن للانترنت أضرار كثيرة فهو يستغل فى الأفعال المنافية للآداب والأعمال الغير مشروعة... إلخ. كما أصيبت الأسرة المصرية بداء المظهرية واتخذت من المحمول رمزا للثراء وتقليد الغير والغيرة حتى ولو لم يتوافر لها مقابل مادى، فإن الغرب عندما اخترعوا المحمول والانترنت كان ذلك للحاجة إليهما وليس للأشياء التافهة. فإننا حاليا نعانى من مرض خطير جدا اسمه "المظهرية" وكان يري أن هذا الجزء المريض من الشعب المصرى مكانه الوحيد هو أن يوضع فى مستشفى الأمراض العقلية.