.. وآخرون يشهدون موت أعمالهم فنانون: صور الجويلي تحوي عبقرية البقاء
هاني الجويلي محيط - رهام محمود في ذكرى رحيله الأولى احتفى به مركز سعد زغلول الثقافي, واستضاف أبرز أعماله في معرض استعادي, هو الفنان هاني الجويلي الذي رحل العام الماضي في 15 أبريل 2007. وعلى هامش المعرض أقيمت ندوة تحدث بها الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية, والناقد سمير غريب, وشيخ النقاد كمال الجويلي والد الفنان الراحل , كما أدار الندوة الفنان صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض. بدأ الفنان شعلان حديثه بأن الفنان هاني لم يغب فهو يبقى بأعماله, التي تناقش قضايا ساخنة بهدوء, فهو إنسان جامح يمتلك تمردا داخليا على كل السائد والمألوف, وهذه التناقضات جعلته مميزا. ويضيف: "عندما أرى أعماله الأبيض والأسود أتذكر الفنانين القدامى في حكمتهم, حيث يجمع فيما بينهم وبين جنون الشباب, و لديه فلسفة خاصة جدا في تناول الكادر وظروفه؛ ليحدث شيء من الحيرة, بسبب الإعجاب الخفي في أعماله, فعمله الذي يصور المظاهرات التي التقطها من أعلى به حالة وجدانية, فدوما كان الإنسان هو همه, يرى به فروقا فردية بين مجتمع وآخر؛ وكلما سافر خارج مصر كان يعود محملا بكم كبير للقطات البشر". أما الناقد سمير غريب فقال "الفنان هاني واسع الموهبة.. شديد الحساسية.. مخلص لفنه, واسعد أنني كنت سببا لاختياره فائزا بجائزة الدولة للإبداع التي منحته فرصة السفر لروما, وكانت هي الجائزة الأولى التي تخرج في فرع التصوير الفوتوغرافي, كنت أرى أنه كان أكبر من أعماله, كما أن الفوتوغرافيا التي تناولها أصعب في أدائها من الرسامين والمصوريين الآخرين, فالتحدي يكون أمامه بأن يخرج من الواقع الذي يصوره عملا فنيا, ومعلوم أن التصوير له خامات ويبدأ من الصفر, ثم يقبل التعديل, لكن الفوتوغرافيا يبدأ الفنان من واقع وإطار محدود وهذه هي المشكلة, فهو مقيد بآلة من حديد لكي تصبح فرشاة, وهي لم تكن فرشاة, محكم بضوء وعناصر, يتغلب عليها التحدي في لحظات. ويضيف: أنا من خلال علاقتي بالفن في أنحاء العالم, أستطيع أن أقول أن هاني فنان عالمي, وهذا المسمى لا يطلق على أي فنان, فلو شاهدت أعماله في أي مكان آخر ببقاع الأرض, لوضعت عليها اسم فنان كبير, ويمكننا ضم الجويلي لقائمة العباقرة , الذين ماتوا مبكرين, مثل عبقري الأدب يحيي الطاهر عبد الله, لكنهم تركوا لنا إبداعا يعيش إلى الأبد, على العكس من فنانين يعيشون لكن أعمالهم تموت". الطفل هاني الجويلي وصورة أذهلت الجميع وبختام الندوة جاءت كلمة كمال الجويلي شيخ النقاد والد الفنان الراحل حيث قال: " أنا لا أنسى ولن أمل من ذكرى اللحظة الأولى لبداية هاني كفنان, كان في العاشرة من عمره, وكنا خارج مصر, حيث شاهد أختيه الشقيقتين تمسكان بآلتي تصوير وتقفان أمام المرآة تصور إحداهما الأخرى في عيد ميلادها, وعاد هاني سريعا ليحضر الكاميرا البسيطة التي أهديتها له, ووقف خلفهما ليلتقط الصورة من مرآتين أمامية وجانبية في وقت واحد, فظهرت صورة أذهلت الجميع, أضعها في ألبومه, وهي عبارة عن الوجه بإضاءة جانبية, بها تكوين وتناسق, وكأنها لخبير, فهنا لمعت الموهبة ليمسك هاني بعد ذلك أثمن الكاميرات, وحينما طلب مني اختيار جائزة لي عن أعمال قمت بها, فطلبت كاميرا كي أعطيها لهاني.
يواصل: عندما دعي هاني ليكون قوميسيرا لمعرض دولي في الخارج, كان يمثل فيه الجانب المصري, وعندما رجع قال أنه كون صداقات عديدة منهم أصدقاء من أمريكا اللاتينية, وحادثة رحيله ارتبطت بهذه الزيارة , حيث استقبل هاني صديقيه من هذا البلد, وقام معهم بزيارة أهم المعالم في مصر من بينها الأقصر, وقد طلب منه صديقاه الشابان حديثي الزواج زيارة الإسكندرية, فاستأجر سيارة هو وزوجته والعروسين, وفي طريق العودة بالطريق الصحراوي أو "طريق الموت" اصطدم بأحد الأعمدة الضخمة. وفي نهاية الندوة طلب الجويلي من الفنان شعلان أن يتولى القطاع عرض أعمال المعرض في مكان آخر, فقرر د. محسن شعلان انتقال المعرض إلى مركز الإبداع بالإسكندرية. فنان إيطالي : دخلت مع الجويلي بعالم آخر
قال عنه إنريكو ماسانو أستاذ تاريخ الفن بجامعة برودجيا بإيطاليا في يونيو عام 1998: " الساعة حوالي السادسة من مساء يوم شتوي كثيف, حين عبرت باب قاعة العروض الفنية – بجامة برودجيا" – لأشاهد أعمال الفنان المصري الذي يعرض صورا فوتوغرافية عن إيطاليا, وكان صديقي إنزو فوريني مدير النشاط بالجامعة قد ألح علي كثيرا لأشاهد هذا المعرض, ربما كنت مترددا لاعتقادي بأن أي مصور أجنبي يأتي إلى إيطاليا سوف ينبهر بصريا بهذا الكم الهائل من الثراء البصري الذي يحيط به, ومع ذلك تغلب علي هذا التردد فضولي لرؤية حتى مجرد وجهة نظر – مصرية – جديدة.. أسلوب العرض كان أول المفاجآت, أعمال متوسطة الحجم بالأبيض والأسود في مستوى الرؤية المباشرة, وشريط ممتد أعلاه من الصور الصغيرة بالألوان, بعد تأمل كل مجموعة على حده ثم جولة شاملة, مصحوبة باختيارات الفنان الموسيقية المتنوعة ما بين الغربي والشرقي "المصري", جلست في طرف القاعة, وقد دخلت في حالة ذهنية مختلفة, وانتبهت أخيرا لأطروحة الأسئلة التي التقطها الجويلي, كثفها, نسقها, ثم أطلقها لنتأملها ونتفاعل – هنا – معها. في متتاليات الأبيض والأسود نجد أنه ببساطة يقدم خريطته الخاصة لولوج عالم الكائنات, دون السقوط في فخ اللقطة الثابتة الشهيرة وهو تجميد اللحظة, فإذا ما أدركت بفطرتك قيمة انتخابه ذلك الجزء من الثانية تحديدا ليحملك إلى بقية الشريط السينمائي, تكون بالتالي قد تجاوزت المدخل الحقيقي لرؤية الجويلي للحياة, ثم نمضي إلى سياق كامل متتابع من هذه الأجزاء الضئيلة من الثواني, لنصل أخيرا للجولة الثانية على الأرجح – إلى لب الحدث – فنان مرهف الحس يستخدم الفوتوغرافيا كوسيط تشكيلي تعبيري ليقول لنا بهدوء "نحن جميعا هذا الكائن وهنا سويا نكون!". ويعلق الدكتور صلاح المليجي عن أعمال الجويلي بأنها حالة متفردة في تسجيل لحظة بعينها, وكأنه يمسك بالزمن في لحظة ما ليقتنص رؤية محددة, تسجيل أو توثيق أو تنظر أو تؤرخ في سياق جمالي ورؤي متميزة". رحلة حياة ولد هاني الجويلي في 16ديسمبر 1969 بالقاهرة, وتوفى 15أبريل 2007, تخرج في كلية الفنون التطبيقية قسم الزخرفة التطبيقية جامعة حلوان 1992, واستطاع أن يحصل على عضوية نقابتين معا وهما: نقابة الفنانين التشكيليين, ونقابة مصممي الفنون التطبيقية.
من اعمال هاني الجويلي حياته حافلة بالمعارض منذ صغره, فحينما كان في الخامسة من عمره أقام له الناقد محمود بقشيش معرضا خاصا في أتيلية القاهرة, وشارك في افتتاحه الفنان الكبير صلاح جاهين, الذي أعجب بإحدى لوحاته التي صورت بنتا جميله, وعندما سأله عنها, أجاب, هذه خطيبتي, فقال له جاهين دعني أشتري خطيبتك, وقدم له خمسة جنيهات, واحتفظ بهذه اللوحة في مكتبه طوال حياته إعجابا بالموهبة البريئة. أقام هاني معرضا خاصا بالمعهد الإيطالي الثقافي بالزمالك عام 1998, وفي نفس العام سافر في بعثة إلى روما للإقامة والتجريب والإبداع لمدة ثمانية عشر شهرا حتى 1999, ولم تفوته الفرصة في إقامة معرض بجامعة بروجيا, وآخر بالأكاديمية المصرية بروما. عاد الجويلي إلى وطنه محملا بخبرات جديدة اكتسبها من الخارج, ودفعه حماسه إلى إقامة معرض بأتيلية القاهرة في فبراير عام 2000, وبعدها بشهرين في المعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينه 6أكتوبر. توالت بعدها معارض الفنان التي زينت جدران مركز الجزيرة للفنون عامي 2001, و2005, ومعرض "خيط أحمر رفيع" بأتيلية القاهرة 2006 الذي عرض فيه لوحاته الفوتوغرافية التي التقطها عن ما شاهدته مصر من تظاهرات عارمة عام 2005, فأخذ يترصد احتشاد آلاف الجنود في مواجهة المتظاهرين ويلتقط كادراته ببراعة, فقد اهتم بإظهار ملامح الأشخاص, ونظرات العابرين المندهشة أو الخائفة، قبضة الحرس على الحواجز الحديدية، والتجمعات التي تبدو من الأعلى كتلاً منفصلة ومتدافعة. شارك الجويلي ببينالى القاهرة الدولى الثالث للخزف عام 1996, وبينالى شباب البحر الأبيض وأوربا تورينو إيطاليا في أبريل 1997, و7 فوتوغرافيين من المتوسط أوربا بيوساسكو إيطاليا عام 1997, وبينالي خيال الكتاب الدولي الثاني بمكتبة الإسكندرية 2005, كما انضم لورشة عمل دولية فوتوغرافية في فيرتشيللى, وتوسكانا بإيطاليا عامي 1997, 1998. حصل في حياته على عدد من الجوائز منها أربع جوائز في صالون الشباب السنوي, وجائزة الدولة للإبداع الفني الفوتوغرافي عام 1998, وشهادة تقدير من الجمعية المصرية للنقاد عن المشاركة في مسابقة نقدية عن فن وحياة الفنانة تحية حليم عام 1994. هاني الجويلي وما لبث أن سلك أيضا طريق النقد كوالده الناقد الكبير, وقام بتحليل الفن والمعارض التشكيلية في عدة إصدارات منها دورية الأهرام - أحوال مصرية, وأنتج كتاب "النصوص والفوتوغرافيا -دنيا وعلامات لأشياء أخرى", ومن أهم أعماله مجموعة فوتوغرافيات السمبوزيوم الدولي للنحت بأسوان, وآخر معرض شهد إبداعه في الخارج هو "على حافة الذاكرة", في مدينة حلب بسوريا وكان بمناسبة احتفالياتها كعاصمة للثقافة الإسلامية. أما "بني آدم" فهو آخر معرض شخصي للفنان هاني الجويلي أفتتحه قبل رحيله بعده أيام, بقاعة "آرت اللوا ..مساحة الفنون المعاصرة", وكان يصور من خلاله حياه البسطاء. وفي حفل تأبينه استضافت قاعة الفنون التشكيلية بنقابة الفنانين التشكيليين أربعين عملا من أعماله, بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيله, كما احتفت به مكتبة الإسكندرية بإقامة ندوة عنه منذ بضعة أشهر, وقدمت فيلما تسجيليا عنه ظهر فيه يتحدث عن أعماله في برنامج قد استضافه حينما حصل على جائزة الدولة التشجيعية لأول مرة في التصوير الفوتوغرافي.