طالبت دراسة حديثة للدكتور مجدي العفيفي بوقف الطبعات الأخيرة من رواية "الحرام" والتي ارتكبت فيها "جريمة ثقافية" في حق المبدع الراحل الكبير، إذ امتلأت بالتحريفات والتبديلات في بنية النص الأصلية. وخلصت الدراسة التي حاز عنها الباحث درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى من جامعة القاهرة الاثنين الماضي، إلى أن دراسة أدب يوسف إدريس يجب أن يكون عبر خطاب العتبات، كما أثبتت الدراسة تعرض أدب إدريس لكافة شرائح المجتمع ومدى مهارة الكاتب في تصوير العلاقات الإنسانية عبر اختيار ظواهر الحياة اليومية من التهميش إلى قلب الحياة بطريقة غير ملحوظة، وإدخال الأحياء الفقيرة في المدن ووضع إنسانية الإنسان في وضعيات استثنائية قادرة على أن تكشف عن حقيقته. تشكلت لجنة المناقشة من د. عبد المنعم تليمة أستاذ النقد والجمال بكلية آداب القاهرة، د. عبد الناصر حسن أستاذ البلاغة والنقد بجامعة عين شمس (أعضاء) ود.أحمد شمس الدين الحجاجي أستاذ الأدب بآداب القاهرة مشرفا. وجاء ضمن نتائج الدراسة أن شخصيات إدريس وجد الباحث أنها تخضع لمنطق الفعل البشرى، فتتعرض للخوف والقلق والتردد والتمزق والضعف والقوة لذا تنمو وتتطور، وتتأثر بالزمان والمكان، ولا تقف متعالية خارج حدود الضعف الانسانى، بل هي شخصية إشكالية يحفظ لها توازنها بالكشف عن جوهرها داخل الحياة نفسها، حين يحولها بشكل غير مباشر. ويوسف إدريس بحسب الدراسة يتكيء في سردياته الروائية على الواقعية بمعناها الإنساني العظيم ، لكنه يتمايز بأنه صنع لفنه واقعية خاصة به، فهو بقدر ما يكسر المذهبية الفكرية، يرفض المذهبية الفنية، ويتأبى على التصنفيات الضيقة، بنزوعه الى الإستقلالية، والتجريب المستمر. وأعمال إدريس تجدد نفسها مع كل قراءة كاشفة، بدلالات جديدة وفتح جدل مستمر بين فن يدعو إلى التفكير وفكر يحقق الفن. وقد قدمت الرسالة أطروحة نقدية لمعرفة مدى تحقق الأبنية الفنية وشواهد المعمار الأدبي في عالم يوسف إدريس الروائي عبر القراءة الكاشفة لرواياته التسع :«قصة حب» و«قاع المدينة» و«الحرام» و«فيينا60» و«العيب،» و«العسكري الأسود» و«النداهة» و«البيضاء» و«نيويورك 80 » . لذة السرد سعى الباحث إلى الكشف عن النظام العام لأدب إدريس الروائي و العلاقات التي تجمع بين عناصر البناء المختلفة، ثم الكشف عن القيم الجمالية التي ينطوي عليها، وارتكز الباحث على المنهج الجمالي الاجتماعي. ولاحظ الدكتور مجدي أن روايات إدريس لم تحظى بنفس الاهتمام النقدي الذي لاقته قصصه ومسرحياته، بل إن مكتبة الدراسات الأدبية تفتقد دراسة شاملة للتكنيك الروائي عند يوسف إدريس. وذكرت الرسالة أن يوسف إدريس عاش مكافحا من أجل تحقق الشخصية الإنسانية حتى يجد التعبير الملائم عن مضامينه في صياغة الأشكال الجمالية التي أبدعتها منظومته الروائية التي تكونت ما بين عام 1957 وعام 1980 وهي الفترة التي شهدت كثيرا من التحولات في المجتمع المصري، بثوابته ومتغيراته، بل هي من أكثر الحقب في التاريخ المصري المعاصر توترا على الصعيد السياسي، وعلي المسار الاجتماعي، وعلى المشهد الثقافي، حيث تشكلت رؤية يوسف إدريس للعالم عبر عالمه من خلال إدراكه الشامل للواقع الموضوعي ككل متكامل، وهو واقع كانت متغيراته أكثر من ثوابته إلى حد كبير، وقد تخلصت هذه المنظومة الإبداعية إلى حد كبير من التباسات الواقع السياسي والاجتماعي- وإن كانت مرتبطة بلحظتها المتعينة تاريخيا - لتستبقي الجوهر الأصيل الذي لا يزال يضيء بالقيم فى انسيابها عبر الزمان والمكان وتجاوزها الإطار الجزئى والتاريخى إلى الكلي والإنسانى.