النموذج الكوري تشابه مع مصر في العام الأول من الحكم المدني. الانقلابات العسكرية في كوريا كانت بالجملة. التحول الديمقراطي جاء بعد 26 عاماً من الثورة حين أدرك الشعب أهمية ذلك. الموارد البشرية والتعليم سر التقدم والنجاح. باحث متخصص في الثورات: التحول الديمقراطي يجب أن يتبعه هيكلة الدولة والتنمية البشرية. مضى أكثر من شهرين على عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ومازالت تثار التساؤلات حول مدى تأثير ذلك على مسار ثورة 25 يناير. وعلى الرغم من الاتهامات التي وجهت لمرسي وجماعة الاخوان بانهم سرقوا الثورة، إلا أن اّخرين قد أكدوا أنه من باب التعجل فى إصدار الأحكام، الحديث عن تأثير عزل مرسي، ايجابيا أو سالباً على مسار الثورة . من جهتها حاولت شبكة الإعلام العربية "محيط" استقراء التاريخ للتعرف على مصير الرؤساء الذين تولوا حكم بعض البلدان بعد ثورات أطاحت بأنظمة حكم فاسدة، ولأن مراجعة التاريخ تُعد أقوى درس للحكم على قراراتنا في المستقبل، نستعرض تجارب تاريخية حول العالم تدور حول هؤلاء الرؤساء ؟ وكيف صنعت بعض الثورات دولاً متقدمة سياسياً وإقتصادياً ؟ . وسنحاول فيما يلي التركيز على الثورة الكورية الجنوبية كنموذج لأهم الثوارت التي نجحت خلال القرن العشرين، وحققت نموًا اقتصادياً واجتماعياً سريعاً، ما سمح لها بتحقيق تنمية شاملة. ازمات كوريا مرت كوريا الجنوبية، بفساد اقتصادي، وأزمات بلا حلول، وحكم عسكري متسلط، وغلاء في الأسعار، وقمع للحريات، ومظاهر تشير إلى دولة تصنف ضمن دول العالم الثالث، هكذا كانت كوريا قبل ثورة 19 أبريل عام 1960التي قامت على يد مجموعة كبيرة من الطلاب والعمال، ضد الرئيس ذو الخلفية العسكرية "لي سونغ مان" عقب العثور على طالب يدعى "كيم جو يول"، مقتولاً علي يد الشرطة الكورية في مظاهرات اجتاحت البلاد ضد تزوير الإنتخابات. أول انتخابات ديمقراطية وبعد استمرار الضغط الشعبي ونزول المزيد من المواطنين والمثقفين إلى المظاهرات، بدأت الشرطة بالانسحاب، ورفضت الهجوم على المتظاهرين، وأعلن الرئيس لي سونغ مان إستقالته، وأجريت أول انتخابات ديمقراطية أتت ب "يون بي سيون" أول رئيس مدني منتخب في كوريا الجنوبية. تولى الرئيس يون بي سيون الحكم، بعد أشهر قليلة من الثورة الكورية، وانتقلت السلطة من الحكم العسكري إلى الحزب الليبرالي المدني، إلا أن الرئيس "يون بي سيون" تميز عهده بالضعف الشديد في إدارة الدولة، بسبب الصراعات المتكررة مع القوى المعارضة وأعضاء البرلمان. انقلاب عسكري ولم يستطع الرئيس الكوري خلال العام الأول من الحكم، تشكيل حكومة فعالة ووضع دستور يتوافق عليه أطياف المجتمع الكوري، واستمرت النزاعات بين السلطة الحاكمة والقوى المعارضة، وفشلت الرئاسة في ملئ الفراغ السياسي في الدولة، الأمر الذي أدى إلى قيام العقيد بالجيش "بارك تشانج هاي" في مايو 1961 بتشكيل مجلس ثوري عسكري مع بعض القيادات المعارضة، وقاموا بإنقلاب عسكري ضد الرئيس "يون بي سيون" أول رئيس مدني منتخب، بعد عام من توليه الحكم، وتم اختيار على أثره قائد الجيش "تشانج دويونج" رئيساً للبلاد. عودة من جديد تولى "تشانج دويونج" قائد الجيش رئاسة البلاد، ولم تمر أشهر قليلة، حتى قام العقيد "بارك تشانج هاي" بالقبض عليه، وتولى هو الحكم، لحين أجراء انتخابات رئاسية جديدة. وفي ذلك الوقت سادت حالة من الانقسام داخل المجتمع الكوري، وعلت الأصوات المناهضة للثورة، فقام العقيد "بارك" بالترشح للانتخابات الرئاسية، وفاز بفارق 185 ألف عن باقي المرشحين. مخالفة العهد قام العقيد "بارك" الرئيس الجديد للبلاد، بإلقاء القسم الجمهورى أمام الشعب الكوري، ووعد الشعب بأنه سيحترم الدستور والحريات، ولن يترشح سوى مرتين للانتخابات الرئاسية، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وخالف الرئيس العسكري وعده، فاعلن عقب فوزه حالة الطوارئ، وأصدر قراراً بحل المجلس التشريعي الكوري، وكتابة دستور جديد للبلاد، يسمح له بالترشح للرئاسة مدى الحياة. وبرغم الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي أنشأها "بارك" إلا إنه تسبب في تحويل كوريا الجنوبية لديكتاتورية الحزب الواحد، فقام رئيس المخابرات الكورية وأحد أعضاء المجلس الثوري العسكري بإغتياله، واستمرّت كوريا الجنوبية حتى عام 1986 تعاني من الإنقلابات العسكرية والمظاهرات المطالبة بإنهاء حالة الطوارئ والإسراع في اتخاذ خطوات التحول الديمقراطي وخروج الجيش من الحياة السياسية. التحول الديمقراطي جاء التحول الديمقراطي الكامل لكوريا الجنوبية، في وقت متأخر من عام 1986، حين إدرك المجتمع الكوري بعد 26 عاماً من الثورة، أهمية بناء نظام ديمقراطي حقيقي، بجانب الإصلاحات الاقتصادية، فشرع الرئيس "روه تاي وو" في بناء دستور جديد، يضمن حقوق كافة المواطنين، ويحتوى على نظام انتخابات شعبية للرئيس، وقاد خليفته روه، "كيم يونغ سام"، حملة مكافحة الفساد وطالب المسؤولين الحكوميين والعسكريين بنشر السجلات المالية الخاصة بهم، مما أدى إلى استقالة عدد من كبار الضباط وأعضاء مجلس الوزراء، خوفاً من تعرضهم للمحاكمة ومنح "كيم" العفو الكامل لآلاف السجناء السياسيين، الذين اعتقلوا لمعارضتهم الرؤساء السابقيين. عوامل نجاح التجربة الموارد البشرية والتعليم أدركت كوريا الجنوبية، أنها كدولة فقيرة الموارد لن تتمكن من النمو إلا بالتركيز على اليد العاملة -التي لعبت بالفعل دوراً حاسماً في إنجاح التجربة التنموية الكورية- فعملت الدولة على زيادة ميزانية التعليم والبحث العلمي، بشكل خيالي، بالإضافة إلى بناء عدد كبير من مدارس التكوين المهني، وقامت الدولة بتكوين نظام للتدريب والتكوين المهني والتركيز على العلوم والتكنولوجيا، خاصة في مجالات تقنية المعلومات وتقنية النانو والبايوتكنولوجيا.. القطاع الصناعي لعب القطاع الصناعي، الدور الأكبر في بناء النهضة الكورية، حيث قامت كوريا بالتركيز على شركات القطاع الخاصة العملاقة، التي تزاول كل الأنشطة الاقتصادية والتجارية، فأدى ذلك لزيادة نسبة الصادرات إلى أرقام خيالية، لتصبح كوريا من أفضل 15 دولة اقتصادية في العالم. هيكلة الدولة اهتمت كوريا الجنوبية، بإنشاء مجالس تخطيط اقتصادية داخل كافة الوزارات، وقامت بتعيين مجموعة من الموظفين الحكوميين، ممن لديهم رؤية تخطيطية واضحة، من أجل وضع خطط وحلول لكافة المشكلات الاقتصادية، والتنموية، والتعليمية. مصر والتجربة الكورية؟ يقول عبد الرحمن الخضيري -الباحث المتخصص في ثورات دول الشرق الأقصى- "يجب أن تلفت التجربة الكورية مرأى ومسمع صناع القرار في مصر، وأن يدركوا ما أدركه المجتمع الكوري بعد 27 عاماً من الثورة، أنه لا نهضة إلا بالتخلي عن الانظمة العسكرية الحاكمة، لأنها مهما تقدمت اقتصادياً، ستظل ديكتاتورية الحكم العسكري تؤثر بالسلب على استقرار البلاد"، بالإضافة إلى الشروع في بناء دستور جديد يضمن حقوق كافة المواطنين، وهذا من أولويات الدول التي تريد أنشاء مجتمع قوي سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وأضاف الخضيري، أن الظروف التي تطورت فيها كوريا، وموقعها الجغرافي ساعداها في أن تكون تجربة فريدة في المجال الاقتصادي، فكوريا الدولة الفقيرة في الموارد الطبيعية، أدركت في وقت مبكر، الدور الكبير للموارد البشرية، فقامت بسلسلة من الإصلاحات التعليمية، لخلق أجيال جديدة من ذوي الرؤية الاقتصادية الواضحة، القادرين على استخدام العقل البشري لصنع معجزات اقتصادية. موضحاً أن هذا الأمر يجب أن يكون بين أعين القائمين على إدارة مصر في الوقت الراهن، فبعد القيام بتحول ديمقراطي كامل، يجب أن ننظر في إعادة هيكلة الدولة من جديد، والاستثمار في العامل البشري، عن طريق تطوير قدرات الشعب عبر التعليم والتدريب والبحث العلمي، لخلق مجتمع قادر على مواكبة التطورات الاقتصادية والثقافية العالمية.