الإخوان وعدد قليل من النخبة المتعاطفة معها، لا يشغلهم إلا محاولة إقناع العالم بأن ما حدث في مصر هو "انقلاب عسكري" وليس "ثورة".. ثم عودة مرسي "رئيسا" كنتيجة مترتبة على هذه الدعاية. وفي تقديري أن العالم لا يحتاج إلى كل هذه الجهود لإقناعه ب"التوصيف القانوني" لما حدث يوم 3 يوليو الماضي.. وإنما يحتاج إلى أن "يصدق" الجماعة بأنها خرجت إلى الميادين دفاعا عن "الشرعية" المحضة، بغض النظر ما إذا كان الرئيس المعزول "إخوانيا" أم "علمانيا". في الحالة المصرية، ربما يعاد النظر في التقاليد التي تعتمد على "المطلق" في الحكم على الأشياء.. لأن المشكلة استنادا إلى هذا القياس تكمن في الاعتقاد "المقدس" بأن الانقلاب "شر مطلق".. وأن الديمقراطية "خير مطلق".. وهذا ليس صحيحا في كل الحالات.. لأن الديمقراطية هي التي جاءت بالشر المطلق "هتلر" الذي قتل ما يقرب من 50 مليون إنسان على مستوى العالم. في مصر وكما تبين خلال عام من حكم مرسي فإن الإخوان جاءوا إلى السلطة ب"الديمقراطية" ليبقوا إلى الأبد.. وهذه هي الحقيقة التي استمعت إليها بنفسي، من قيادات إخوانية رفيعة، وزعماء إسلاميين من غير الإخوان وحلفاء لهم في ذات الوقت. لم يدرك الناس التحول المفاجئ في أجندة الجماعة، في اليوم التالي من وصولهم إلى السلطة، حين تبدل "مشروع النهضة" المدني ب"المشروع الإسلامي" الديني.. وهي ليست محض شعارات خالية من مضمونها الحركي والمستقبلي.. لأن "المشروع الإسلامي" يعني البقاء إلى الأبد.. والدفاع عنه ب"السيف والدم" مسألة لا تحتاج إلى حجج بوصفه "جهادا" في سبيل الله..ويتعين على الرأي العام فهم صمود الحشود الإخوانية والإسلامية في الميادين كل هذه المدة، من خلال هذا الوعي بحقيقة المدونة السياسية للجماعة. في هذا الإطار، كانت "الأخونة المنظمة" جزءا من الترتيبات الضرورية لجعل "تداول السلطة" لا يخرج بعيدا عن الجماعة لأن الأصل في بناء المشروع الإخواني هو "التأبيد" لا "التداول".. وهو المصطلح السياسي المدني المقابل لنظيره "الإخواني الديني" المعروف ب"التمكين". والحال أن استعجال الجماعة لانجاز "الأخونة" وهو ذات السبب الذي جعل القوى المدنية تستعجل تدخل العسكر وإنهاء حكم الإخوان.. لأن الظاهرة.. طرحت سؤالا بشأن القوة القادرة على مواجهة "الفتوة" الإخواني.. وقطع الطريق على الانزلاق نحو حرب أهلية بين مؤيدي المشروع الإخواني الذي ينتحل صفة "المشروع الإسلامي" وبين القوى الوطنية المناضلة من أجل مدنية الدولة.. وهي حرب أقرب ما تكون إلى "الحرب الدينية" لوجود طرف إسلامي يعتقد بأنه صراع ديني وليس خلافا سياسيا. قد نختلف إذن حول التوصيف القانون بشأن ما حدث يوم 3 يوليو.. ولكن السؤال الأهم هو ما إذا كان "خيرا" أم "شرا".. إذ لم تنشغل القوى المدنية والقطاع الأوسع من الرأي العام وكذلك المجتمع الدولي حول ما إذا كان "انقلابا" أم "ثورة".. وإنما شغلهم سؤال "الضرورة" أو "المضطر".. بوصفه عملا أنقذ العباد والبلاد من شر كبير.