قد يكون الحديث عن رئيس مصر القادم أمراً في غير مقامه الآن في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد من انقسام شديد في الشارع المصري، وتدهور الوضع الأمني في بعض أنحائه، إلا أن الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام المختلفة حول تصريحات للقوات المسلحة تتحدث عن إمكانية ترشح الفريق "عبد الفتاح السيسي" وزير الدفاع في الانتخابات المقبلة عند تقاعده من العمل العسكري، تستوجب توضيح الرؤية الكاملة حول هذا الموضوع لعدم المزايدة فيه، لا سيما في تلك المرحلة الحرجة. ويشار إلى أن القوات المسلحة المصرية نفت هذه الأخبار، وأكدت عبر صفحتها الرسمية أن هذا الطرح عارٍ تماماً من الصحة، ولا يستند إلى أي حقيقة ثابتة، ولم يحدث أن سبق الإشارة إلى هذا من الفريق السيسي أو من أي مسئول بالقوات المسلحة. وبالتالي يمكن التوقف عند هذا الموضوع لنناقشه في محورين، أولهما ما دلالة الحديث عن حق الفريق السيسي في الترشح لرئاسة الجمهورية في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي التداعيات التي قد يثيرها هذا الطرح على الشارع في ظل تواصل تظاهر مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي؟ حوار مثير وكان العقيد أحمد علي - المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة - قال في مقابلة مع صحيفة "ديلي نيوز" المستقلة -: إن من حق الفريق السيسي الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية إذا تقاعد من منصبه، وإذا كانت هذه هي رغبة الشعب. وفي موقعها على الإنترنت نشرت الصحيفة توضيحاً حول الحوار الذي نشرته صباح الجمعة مع المتحدث العسكري، وقالت: إن دافعها في نشر التوضيح هو سيل التساؤلات التي انهالت عليها تستوضح عن الخبر، وأضافت: إنها انطلقت في سؤالها للمتحدث باسم القوات المسلحة المصرية "أحمد علي" من تزايد شعبية الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وليس مطلقاً من علمها بأي دور سياسي يخطط له السيسي لخوضه في المرحلة المقبلة، وقالت الصحيفة: إن المتحدث العسكري أراد أن يوضح تلك النقطة وقال: "السيسي ليست لديه خطط للترشح لانتخابات الرئاسة". وأضاف المتحدث العسكري موضحاً أن "المؤسسة العسكرية ليس لديها أي وسيلة للسيطرة على من يريد الترشح للرئاسة بما في ذلك العسكريين السابقين... ونحن نؤكد ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية". خارطة طريق ويذكر أن السيسي كان قد أعلن خريطة طريق عقب مظاهرات 30 يونيو قضت بعزل الرئيس محمد مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وإسناد رئاسة البلاد لرئيس المحكمة الدستورية العليا. وأعلن الفريق السيسي عن تلك الخارطة في حضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والأنبا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية، ورئيس حزب النور السلفي، والمنسق العام لجبهة الإنقاذ المعارضة محمد البرادعي، وعدد من الشخصيات السياسية وقادة الجيش. وناشد السيسي المحكمة الدستورية العليا بسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، وأهابت القوات المسلحة بالشعب المصري الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف. نبذة قائد وكانت خطة المستقبل التي ألقاها السيسي أول الارتباطات القوية التي حظي بها الفريق بتأييد قطاع كبير من الشعب المصري، لتوجه الأنظار إلى خلفية هذا الرجل. فمن قبل وجد الرئيس المصري المعزول في الفريق الشاب المتدين صاحب الأدوار القيادية في المخابرات الحربية ما يؤهله لتولي وزارة الدفاع وقيادة الجيش، حينها خرج موقع حزب الحرية والعدالة ليصف الفريق ب"وزير دفاع بنكهة الثورة"، تلك ربما كانت رغبة الرئيس المعزول في تكريس خضوع الجيش لأول رئيس مصري مدني منتخب، لكن الفريق أول عبد الفتاح السيسي ما لبث أن تحرك بعد عام لعزل الرئيس مرسي على وقع تظاهرات حاشدة في ال30 من يونيو المنصرم طالبت برحيله، ومنذ هذا التاريخ بدأ يلمع اسم السيسي وازدادت شعبيته في الشارع المصري. ومن جانب آخر، انتقد البعض عودة المؤسسة العسكرية إلى الحياة السياسية، وترددت الأقاويل بأنه أصبح "حاكم مصر الفعلي"، فرغم أن السيسي سلم السلطة لرئيس مدني مؤقت يتولى فيها منصب وزير الدفاع والنائب الأول لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ولم يشكل مجلساً عسكرياً على طريقة المشير طنطاوي، لكنه (كما قالت التحليلات) آثر صناعة القادة بدلاً من تولي القيادة. فهل للسيسي حق في طموح سياسي أكبر؟ فعلى الرغم من تأكيد المتحدث العسكري أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي لا يطمح في أي مناصب سياسية؛ لأنه الآن جندي في القوات المسلحة، لكن لا يوجد ما يمنعه من خوض غمار الانتخابات الرئاسية إذا خلع لباسه العسكري. بالون اختبار وبعد العرض السابق، فإن المشهد السياسي المصري من الممكن أن يدور في فلك عدة تداعيات تُبنى على هذه التصريحات، وأولها يعتبر هذا التصريح بمثابة "بالون اختبار" لجس نبض الشارع المصري حيال إمكانية ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة. ويرى بعض المحللين أن هذا الطرح قد يثير تأثيرات سلبية من الممكن أن تفقد الفريق السيسي مصداقيته التي يتمتع بها لدى قطاع واسع من الشعب المصري. لكن في المقابل قد يرى آخرون أنه ليس ثمة ما يمنع أي عسكري مصري من الترشح للانتخابات إذا تقاعد؛ لأن القانون يكفل له ذلك.