استمر الغموض المحيط بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي كلف مجلس النواب تمام سلام بتأليفها منذ إبريل الماضي، في ظل قيام كل الأطراف برفع سقف مطالبهم مع اتهامات متبادلة عن عوامل خارجية تعرقل التشكيل. فبعد مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري بالإعلان عن إنهاء تحالف 8 آذار وانفصالهما عن العماد ميشال عون على المستوى الداخلي ، وأن الثنائي الشيعي حزب الله وأمل سوف يسهلان اختيار الوزراء الشيعة الخمسة أمام سلام ، بدا للكثيرين أن هذا التفكيك لقوى 8 آذار سيؤدي إلى زيادة حصة أعضائها ، وبدلا من الثلث أو الثلث المعطل (الثلث +1 ) ، فإنهم قد يطلبون(الثلث +2) مع إصرارهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية وفقا للأوزان النيابية في البرلمان. في المقابل ، فإن قوى 14 آذار تطالب بسقف مختلف إذ أنها تريد حكومة غير حزبية لتتعاطي مع هموم الناس بعيدا عن الاستقطاب وفقا لما تقول ، وأبرز مكونات 14 آذار وهو تيار المستقبل على استعداد للتضحية بنصيبه من الحكومة مقابل عدم مشاركة حزب الله بها لأنه يرى مشاركة الحزب في الوقت الحالي معناه أنها ستوفر له غطاء ولو معنويا لتورطه في الصراع السوري. هذا الوضع وصفه تمام سلام رئيس الحكومة المكلف بأنه غابة من الشروط والشروط المضادة ، ويعرف عن سلام رغبته في تشكيل حكومة بها قدر كاف من الوزراء التكنوقراط والسياسيين الأقرب للحياد والوسطية بين كتلي "14 و8 آذار" مع عدم منح أي طرف الثلث المعطل. ورغم الاتصالات التي أجريت في الساعات الأخيرة فإنه لم تبرز أي معالم جدية لإمكان حصول أي اختراق للأزمة السياسية في المدى المنظور وخصوصاً من حيث تغيير "غابة الشروط" التي تعترض تأليف الحكومة الجديدة ، حسب صحيفة النهار اللبنانية. وقالت الصحيفة " إن اوساط قوى 8 آذار سارعت الى التحذير تكرارا من أي خطوة لتأليف حكومة أمر واقع ( دون توافق بين الكتل السياسية) ، كما أن معطيات أفادت بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط نبه المعنيين الى ضرورة عدم التفكير في خطوة كهذه. وفي محاولة للتواصل التقى تمام رئيس الحكومة المكلف أمس وزير الصحة على حسن خليل موفد رئيس مجلس النواب نبيه بري ، حيث جدد سلام (وفقا للصحيفة) لموفد بري موقفه من المعايير التي وضعها لحكومته من جهة المثالثة التي وضعها (ثلث ل14 آذار وثلث ل8 آذار ، وثلث للقوى الوسطية الممثلة للرئيس اللبناني وسلام ذاته ووليد جنبلاط، والتكنوقراط) ، مع رفضه للثلث المعطل (الثلث + واحد الذي يعطى صاحبه فيتو على قرارات الحكومة وإمكانية إجبارها على الاستقالة). كما أكد سلام لخليل استعداده لتشكيل حكومة سياسية ولكن في إطار المعايير التي وضعها لحكومته وفقا للصحيفة . ونقلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية عن مصادر تتابع حركة الإتصالات بشأن تشكيل الحكومة أن سلام مازال على موقفه بتخصيص حقيبتين وزاريتين فقط للعماد ميشال عون ما دام الثنائي الشيعي متمسكا بتسمية الوزراء الشيعة الخمسة بشكل كامل ، وبالتالي فإن المقعد الثامن من أصل المقاعد ال 24 بالحكومة سيكون لتيار "المردة" وسيختاره رئيس التيار سليمان فرنجية ، وهي معادلة ما زالت تعرقل مساعي تأليف الحكومة ، وفقا للصحيفة من جانبها، اعتبرت صحيفة "السفير" أن لقاء سلام مع خليل محاولة من قبل نبيه بري لكسر حلقة الجمود ، وتأكيد الرغبة في تسهيل عملية تشكيل الحكومة ، وإظهار أن العقدة هي لدى الفريق الآخر. ونقلت "السفير" عن أوساط رئيس الحكومة المكلف أن طرح بعض الأصوات في قوى 14 آذار تشكيل حكومة "أمر واقع غير وارد"، فيما وصف وليد جنبلاط الدعوة الى حكومة أمر واقع ب"الرواية المملة" كما ذكرت الصحيفة. ورأت الصحيفة أن حالة من الإرباك وعدم وضوح الرؤية تسيطر على القيادات اللبنانية، تصل عند بعضهم إلى حد الهلع جراء تسارع التطورات في المنطقة ، والتي طرقت الباب اللبناني مباشرة من خلال الأحداث الأمنية المتنقلة ، وأخطرها انفجار الضاحية الجنوبية ، بما يعني عودة الصراع الإقليمي والدولي ليترجم على الأرض اللبنانية. وقالت إن الذي يزيد من حالة الغموض ، هو السؤال الذي اخذ يتردد على المستويات السياسية والرسمية ، حول ما إذا كان القرار الدولي بإبقاء لبنان في منأى عن الأحداث المحيطة ، وتحديدا السورية منها، ما زال قائما ، وإذا كانت هذه المظلة مستمرة في تأمين الحماية للبنان. ونقلت الصحيفة عن مصدر نيابي بارز في "تيار المستقبل" قوله إنه ليس صحيحا أننا سحبنا التفويض السياسي من رئيس الحكومة المكلف تمام سلام ، نافيا صحة ماتردد عن استبداله برئيسي الوزراء السابقين فؤاد السنيورة أو سعد الحريري ، مؤكدا أن عودة الحريري غير واردة خصوصا في ظل عدم وجود تفاهم إقليمي (يقصد سعودي - إيراني)، وإذا عاد يعني انه سيترأس حكومة وحدة وطنية ، وهذه تجربة خاضها في السابق ولا داعي لينتحر مجددا . ورأى المصدر "صحيح أن حكومة التكنوقراط لا تحل المشكل ، إلا أن حكومة السياسيين تزيد المشاكل". وحول إمكانية استباق عودة "هيئة الحوار الوطني" أو بالتوازي معها ، ببدء حوار بين الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) و"تيار المستقبل" ، أكد المصدر "أن الحوار بين الثنائي الشيعي والمستقبل ممكن، ولكن ليس داخل الحكومة ، لأنه حرام نقل المعركة في سوريا إلى طاولة مجلس الوزراء". على حد تعبير المصدر.