بعد صراع امتد لأكثر من ثلاثة عقود، وأودى بحياة عشرات الآلاف، أبرمت الحكومة الفلبينية اتفاقاً مع حركة مورو الإسلامية في خطوة نحو اتفاق سلام نهائي للتمرد في جنوب البلاد. وبوساطة ماليزية وقّع الاتفاق بين كبير مفاوضي الحركة والحكومة الفلبينية، بعد ستة أيام من المفاوضات في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعد صراع ممتد أسفر عن سقوط 150 ألف قتيل ونزوح مئات آلاف الآخرين. فهل بالفعل سيكتب الجانبان شهادة الميلاد الحقيقية للسلام بينهما؟ أم سيطرأ عليه بعض الخروقات التي قد تأتي من قبل أحد الأطراف، أو حتى من خارجهما؟ . هذا ما نحاول الإشارة إليه في هذا التقرير، مع إلقاء الضوء على تاريخ الصراع، الذي يعد من أكبر حركات التمرد في جنوب شرق أسيا. أطر الاتفاق وجاء الاتفاق بالنص على تقاسم العائدات الضريبية والثروات الطبيعية في الجنوب، على أن تحول 25% من عائدات الضرائب التي سيتم جمعها في الكيان الجديد الذي سيحمل اسم "بانجسامورو"، إلى الحكومة الوطنية، في حين ستذهب 75% الباقية إلى الحكومة المحلية. أما فيما يتعلق بالموارد الطبيعية، تذهب 75% من العوائد التي يتم تحصيلها من استكشاف وتطوير واستخدام المعادن إلى الحكومة المحلية المسلمة، في وقت سيتم فيه التقاسم بالمناصفة لعوائد الوقود الحفري كالبترول والغاز الطبيعي والفحم، إضافة إلى اليورانيوم. ومن شأن هذه المفاوضات أن تؤدي في النهاية إلى إنشاء منطقة حكم شبه ذاتي تديرها جبهة تحرير مورو في جزر ميندناو الجنوبية، وتضم مناطق الحكم الذاتي المقترحة مناطق تعتبرها الأقلية المسلمة "منطقة أسلافهم" في مينداناو، الجزيرة الرئيسة في جنوب البلاد، والتي يعتقد أنها تحتوي على كمية كبيرة من مخزون البلاد من الذهب والنحاس، وغيرها من المعادن التي تقدر قيمتها بنحو 840 مليار دولار. آمال قوية وتعليقاً على هذا الاتفاق، أعربت كبيرة مفاوضي السلام "مريام كورونيل فيرير" عن أملها في أن تتوصل الحكومة الفلبينية إلى اتفاق سلام نهائي مع جبهة تحرير مورو خلال أسابيع، بعد أن اتفق الجانبان على صيغة لتقاسم الثروات، حيث يمكن أن يتم التوقيع عليه بعد شهر رمضان، إلا أنها أشارت إلى أنه لا يزال يتعين على الجانبين الاتفاق على صيغة بشأن كيفية نزع أسلحة المتمردين وحجم سلطات منطقة الحكم الذاتي. وأضافت فيرير "أن التوقيع على هذه الصيغة يؤشر على أن الجانبين ملتزمان بحق استكمال مفاوضات السلام، ويريد الجميع أن تثمر هذه الجهود عن نتائج إيجابية"، في المقابل قال غزالي جعفر نائب رئيس حركة مورو للشئون السياسية: إنه يتوقع أن تكون الجولة التالية من المحادثات "شائكة أكثر"، مضيفاً أن "مقاتلي حركة تحرير مورو لن يلقوا أسلحتهم إلا بعد تلبية شروطهم الواضحة الخاصة بسلامتهم". وأوضح جعفر أن المتمردين أرادوا في البداية تقاسم موارد الطاقة التي تشمل الغاز الطبيعي الذي يعتقد تواجده بوفرة في منطقة الجنوب، بنسبة 60% إلى 40%. تاريخ الحركة والجدير بالذكر أن حركة مورو الإسلامية تشن منذ 1970 حرب عصابات من أجل إقامة دولة إسلامية مستقلة في جزر ميندناو الجنوبية، وكانت الحركة قد انضمت إلى تيار الجبهة الوطنية بقيادة نوري ميسواري عام 1972 في إطار تجمع واحد للمقاومة. وفي عام 1977 انفصلت الحركة عن الجبهة الوطنية، ثم تأسست جبهة تحرير مورو الإسلامية في جنوب الفلبين في جزر ميندناو وسولو بزعامة سلامات هاشم كمؤسسة دعوية وجهادية، وبعد وفاة هاشم عام 2003 تولى قيادة الجبهة منذ ذلك الحين الحاج مراد إبراهيم. وبدا هناك تغير في توجهات الجبهة الإسلامية منذ عام 1997، حيث دخلت الحركة في مفاوضات سرية مع الحكومة الفلبينية، إلا أن هذه المفاوضات لم تسفر عن شيء في فترة حكم "جوزيف استرادا"، وانتهت بحملة عسكرية واسعة شنها الجيش الفلبيني عام 2000 على معاقل الجبهة. لكن شهد عام 2003 التوقيع بين الجانبين على وقف إطلاق النار، وأيضاً ظهرت في عام 2008 نوع من النتائج الملموسة لمفاوضات الحركة مع الحكومة بعد الاتفاق الذي يمنح الحكم الذاتي للمسلمين في الجنوب ليرقى إلى مرتبة قريبة من الفيدرالية. وفي عام 2011 ظهرت بعض التيارات داخل الحركة التي عارضت مسيرة المفاوضات، ومنها حركة مقاتلي بانجسامورو الإسلامية التي انفصلت عن الحركة التي لا تضم سوى 200 مقاتل، وبدأت تشن منذ ذلك الحين هجمات دموية لعرقلة المفاوضات بين حركة مورو والحكومة. وآخر المفاوضات بين الجانبين كانت عبر الاتفاق الموقع في أكتوبر 2012، ووضع إطاراً مبدئياً للسلام يدعو إلى إقامة كيان جديد يتمتع بحكم ذاتي في جزيرة ميندناو الجنوبية بحلول عام 2016، ومن شأنه أن يضع حداً لصراع مسلح استمر أربعة عقود. ويتوقع إذا سارت الأمور كما هو مخطط في المحادثات بين الطرفين، وإذا صادق الكونجرس الفلبيني على القوانين التي تنظم الاتفاق على الأرض، فإن دولة بانغسامورو داخل الدولة ستخرج إلى الوجود بحلول عام 2016، عندما يحل موعد تنحي "أكينو" الرئيس الفلبيني الحالي. أما إذا حدثت خروقات على تلك المحادثات فإن الرجوع لنقطة الصفر تكون أقرب إلى الواقع، خاصة مع وجود بعض الجماعات الصغيرة التي تهدد نجاح هذه المفاوضات بالفعل كما حدث من قبل عام 2011 علي يد حركة مقاتلي بانغسامورو الاسلامية المنشقة عن جبهة مورو، والتي تواصل هجماتها على قوات الجيش، وآخرها اشتباك السبت الماضي الذي قتل فيه جنديان واثنان من عناصر الحركة.