جاءت دعوة نائب وزير اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب لتعزيز العلاقات الثنائية بين إيران وحركة فتح الفلسطينية ، لتثير حالة من الجدل حول طبيعة تلك العلاقات والأسباب الحقيقة وراء ذلك . فقد أعرب الرجوب عن آماله بتحرير الأراضي الفلسطينية من قبل الدعم المستمر التي تقدمه إيران وغيرها من مؤيدي فلسطين كذلك . وكانت إيران قد ركزت منذ انتصار الثورة على اعتبارها قضية فلسطين - خاصة القدس - قضية إسلامية ذات أولوية للسياسة الخارجية الإيرانية. وعقب فترة قصيرة بعد انتصار الثورة من العلاقات الحميمة بين إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية ساد الفتور العلاقات بين الطرفين لعدة أسباب منها، ما ذكر عن تدريب منظمات فلسطينية لعناصر منظمتي مجاهدي خلق، وفدائي خلق المعارضتين، وموقف المنظمة المساندة للعراق في حربه مع إيران، بالإضافة لإصرار بعض القيادات الإيرانية على مطالبة القيادة الفلسطينية بإعلان إسلامية الثورة الفلسطينية. استغلال الانقسامات وبعد تصريحات الرجوب أفاد تقرير صحفي أميركي أنّ إيران وحزب الله يحاولان في الآونة الأخيرة مد جسور تعاون مع أعضاء نافذين داخل حركة فتح في الضفة الغربية، مستغلين الانقسامات الحادة والحاصلة داخل صفوف التنظيم الفلسطيني. وأوردت تقارير أمريكية أن إيران أقامت أخيرًا علاقات مهمّة مع أعضاء بارزين في حركة فتح في الضفة الغربية. ونقلت في هذا الصدد عن مسئولين قولهم إن إيران وحزب الله كانوا يسعون إلى التعاون مع أعضاء في قيادة حركة فتح، وخاصة اللجنة المركزية. وأضاف المسئولون أن الهدف من ذلك هو دفع الحركة الفلسطينية الحاكمة إلى إقامة علاقة دبلوماسية مع طهران. ونقلت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية عن مسئول قوله :"ترى إيران أن هناك ثمة فرصة من وراء الانقسامات المتزايدة داخل حركة فتح والغياب التام للرؤية بشأن المستقبل". وقالت الصحيفة إن من بين حلفاء إيران الجدد في قيادة فتح هو جبريل الرجوب الرئيس السابق لقوة الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية، والذي يعتبر واحدًا من أقوى الرجال في الضفة الغربية. وأشارت الصحيفة إلى أن الرجوب، الذي أسّس جهاز الأمن الوقائي القوي عام 1994، كان ينظر إليه باعتباره من داعمي التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية. لقاء مشترك وخلال ابريل الماضي بحث اللواء جبريل الرجوب وسفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور مع السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن ابادي الاوضاع في المنطقة والاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني ومقدساته المسيحية والاسلامية. وجرى خلال اللقاء الذي عقد في مقر سفارة فلسطين في بيروت استعراض الاوضاع في المنطقة وملف المصالحة الفلسطينية. واكد الطرفان خلال اللقاء على الوحدة الوطنية الفلسطينية وانهاء الانقسام لمواجهة الخطر الحقيقي الدائم المتمثل بالعدوان الاسرائيلي على الامتين العربية والاسلامية. وقال ركن أبادي "كانت إيران دائما داعمة للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني بتوجيهات من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد". وأضاف السفير كان الدعم الإيراني لقضية فلسطين أيضا جزء أساسي من السياسة الخارجية. إيران والمصالحة ويأتي التقارب بين ايران وحركة فتح ، رغم اجماع القوى الفلسطينية خلال العام الماضي على رفض العرض الإيراني للمصالحة بينها, وأكدت أنه "لا حاجة له" في ظل وجود الرعاية المصرية، فيما أكدت حماس أن مصر تمثل العمق الإستراتيجي للقضية الفلسطينية. وأعلنت السلطة الفلسطينية وحركتا "فتح" و"حماس" عن رفضهم دعوة إيران إلى استئناف جلسات المصالحة الفلسطينية في طهران، وشددوا على أنه لا يمكن نقل ملفات الحوار الوطني من مصر؛ لأنها الدولة الأولى التي رعت الملف، ومثَّلت العمق الإستراتيجي والعربي للقضية الفلسطينية. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات : إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض عرضًا من نظيره الإيراني أحمدي نجاد، لاستضافة وفدي حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة فتح في طهران، لإتمام المصالحة الفلسطينية، وأكد له أن القاهرة هي التي ترعى المصالحة. وبدورها، رفضت حماس عرض الوساطة الإيرانية، وقال المتحدث باسم الحركة صلاح البردويل لمراسل وكالة الأناضول في غزة: إن "مصر تمثل العمق الإستراتيجي للقضية الفلسطينية، وقطعت شوطًا طويلاً في ملف المصالحة، ولا يعقل أن يتم نقله إلى إيران". وأضاف البردويل: "مصر كانت ترعى ملف المصالحة في عهد نظام حسني مبارك فكيف سنتخلى عن رعايتها لهذا الملف بعد زوال نظام مبارك؟" في إشارة إلى أن نظام مبارك كان معاديًا لحركة حماس، والنظام المصري الجديد الذي يتزعمه الإخوان المسلمون متوافق مع رؤية وأفكار الحركة. وأشار إلى أن إيران دولة طموحة وتحاول السيطرة على ملف المصالحة، لكن مصر "أولى برعايته وإنهائه". من جانبه، قال الناطق الإعلامي الرسمي باسم حركة فتح بالضفة الغربية أحمد عساف: إن المصالحة الفلسطينية لا تحتاج إلى وسيط جديد، بل تحتاج إلى دفع حركة حماس لتنفيذ اتفاق الدوحة الذي وقع برعاية مصرية . وكانت إيران قد نفت دعوة إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة لحضور قمة عدم الانحياز بالعاصمة طهران في سبتمبر الماضي. وكان الناطق باسم الحكومة في غزة طاهر النونو قد قال: إن رئيس الحكومة إسماعيل هنية سيحضر قمة عدم الانحياز في طهران، استجابة لدعوة الرئيس الإيراني. إلا أن رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله سلام فياض طالب هنية برفض الدعوة التي وجهها له الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، للمشاركة في أعمال قمة دول عدم الانحياز. مراحل العلاقات وترجع علاقة إيرانبفلسطين إلى أواخر القرن التاسع عشر من خلال إيجاد ممثليه لها في فلسطين خاصة بعد هجرة عدد كبير من التجار الإيرانيين إلى فلسطين. ومرت تلك العلاقة بثلاثة فالمرحلة الأولى: 987 1947 حيث كان التعبير عن وجود اهتمام إسلامي, وكان سلبيا في بعض الأحيان. أما المرحلة الثانية: 1948 1978 وهي الفترة الشاهنشاهيه, حيث كان منطق الاهتمام هو العلاقة ما بين القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني عموما. المرحلة الأخيرة: تبدأ بسقوط النظام الشاهنشاهي وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية وما تلا ذلك من تغيرات جذرية على السياسة الخارجية الإيرانية 0 وتدرج الاهتمام بفلسطين ابتداء من التغيرات الداخلية الحاصلة في إيران في القرن التاسع عشر, حيث خضعت إيران للتقسيم من قبل الروس والبريطانيين, وتلا ذلك وعد بلفور, ونتيجة للضعف السياسي في إيران كان الرد بواسطة مبادرات لتنظيم إيرانيين للجمعيات الشعبية والمنتديات, حيث تلا ذلك إنشاء عصبة الأمم التي جاءت كنتائج للأحداث والتطورات التي شهدتها الساحة السياسية الدولية خلال العقدين الأوليين من القرن العشرين. واندلاع الحرب العالمية الأولى وقد مثل إيران في عصبة الأمم "ذكاء الملك فروغي" وهو ماسوني عريق لم يكن من اهتمامه طرح موضوع فلسطين في اجتماع عصبة الأمم حين ذاك. وأيام حرب فلسطين 1948 شهدت إيران شأن الدول العربية ودول إسلامية أخرى حملات شعبية لجمع الأموال وإرسال المتطوعين, ومن ناحية أخرى جرى تحديد موقف إيران تجاه القضية الفلسطينية حيث اعترف الشاه بإسرائيل وسمح لها بتمثيل سياسي وتجاري عام 1960 وصولا إلى انتصار الثورة الإيرانية حيث رفع الحميني شعار "اليوم إيران وغدا فلسطين" واستبدل سفارة اسرائيل في طهران بسفارة فلسطين في الأيام الأولى لانتصار الثورة حيث أعلن الخميني صراحة "أن الإسلام وشعب إيران المؤمن والجيش الإيراني الأبي ..... ويعلن عن استنكارهم وشجبهم لتحالف السلطة الملكية مع إسرائيل عدوة الإسلام وإيران .....)) حيث تم الانسجام بين الموقفين الرسمي الحكومي والشعبي بل والانسجام بينهما دعما لنضال الشعب الفلسطيني ومقاومة وشجبا لموقف الكيان الصهيوني, مع أنه كانت هناك تفسيرات للتوجه بإجراءات إزاء اليهود والحوار معهم, حيث قال الشيخ محمد علي التسخيري وكيل وزارة الإرشاد والثقافة أنه "لا مانع من ذلك الحوار إن كان هناك يهود غير مرتبطين بالمسيرة الصهيونية الحاقدة وهي بالواقع يهودية منحرفة ويهودية سلبية وحاقدة وإذا خرج العلماء من العقلية الصهيونية فهناك مجال كبير للحوار معهم". وقد وصلت عمق العلاقات لدرجة أن زار رؤساء الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي إيران عام 1961 باستثناء حابيم بارلين. وقد كان للعلاقات الاقتصادية والعسكرية الأثر الأكبر في زيادة تأثير إسرائيل في مواقف يهود إيران حيث حرص الإسرائيليون على تبادل الزيارات الدبلوماسية وتنسيق المواقف السياسية والتي كانت من ثمارها إقامة وكالة إسرائيلية تشتري أراضي إيرانية خصوصا للمناطق القريبة من العراق والعمل على تدريب يهود إيرانيين على الجاسوسية وتوزيعهم على دول الخليج العربي. وفي أعقاب حريق المسجد الأقصى اشتركت إيران في مؤتمر القمة الإسلامية في الرباط وبدأت مسيرة التصالح بين إيران ومصر ابتداء من العام 1971 حيث أثرت على العلاقات الإسرائيلية الإيرانية إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار العلاقات بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي حيث لم تمنع إعادة العلاقة بين إسرائيل ومصر غولدا مائير من زيارة طهران في منتصف شهر أيار 1972 وما تبعها من زيارة لدبلوماسيين يهود.